فايع آل مشيرة عسيري

بيكاسو الجنوب..!

الخميس - 19 يناير 2017

Thu - 19 Jan 2017

يبدو أن السفر إلى بلاد «أمتهايم» بات أكثر جاذبية ودهشة من بلاد «امسرو» فتهامة بدأت تجذب كل المتيمين والمغرمين بها انجذابا آسرا يسير بنا نحو تنوع طبيعتها الجغرافية، مما ينعكس على فنونها الإبداعية، وكم عرف عن تهامة اختزالها للفن بكل أنواعه وموروثاته اختزالا يسكنهم ويسكنونه، ولعل الفن التشكيلي أحد أهم أركان الحركة الثقافية في منطقة عسير «السراة وتهامة» وإن تعددت مدارسه وتنوعت مذاهبه، ويبدو أن بساط الفن التشكيلي بدأ يسحب شيئا فشيئا نحو تهامة وقلبها النابض «محايل عسير» هذه المدينة البكر التي توجت عرسها الدافئ «محايل أدفأ» لوحة «بيكاسو الجنوب» التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، تلك اللوحة التي وقع كل من رآها في أسر هواها منذ النظرة الأولى، لوحة «التهامي» التي رسمت كل الملامح التهامية بكل أبعادها الاجتماعية والنفسية والثقافية، تلك اللوحة الموحية ذات الدلالات العميقة المثيرة للجمال وليس للجدل، لم يحتج الفنان إبراهيم فاضل كثيرا من الوقت كي يتزعم حركة الفن التشكيلي في تهامة عسير وربما سراة عسير أيضا، متى ما وجد الدعم ومنح الفرصة التي كان لمحافظ مدينة محايل الأستاذ محمد بن سعود المتحمي قصب السبق في منح الفنان فاضل ضوء الانطلاقة الأولى فكانت جدارية مهرجان «محايل أدفأ».. !



من يعرف موهبة «بيكاسو الجنوب» يدرك تمام الإدراك الإمكانات الفنية الكبيرة والمهارات التشكيلة التي يمتلكها، والتي تمنحه وسام الصدارة المطلقة دون منافسة. ومنذ اطلاعي البعيد والقريب على لوحات إبراهيم فاضل ومراسمه التشكيلية العديدة وأنا أهجس بتجربته؛ ذلك أنه لم يسر مع الفنانين التشكيليين في الطريق الوحيد نفسه ذي المعالم المعروفة وإنما اختار «مفرقا» فرعيا وسار فيه وحيدا، فكان فريدا متمايزا عن أقرانه، ولعل الجاذبية والدهشة التشكيلية في مراوغات فاضل وريشته هما اللتان تنقضان المألوف التشكيلي، إذ لا يهتم كثيرا بالمدارس التشكيلية، فهو يرسم لوحاته ويسقط عليها تجاربه النفسية والعاطفية وذكرياته وطفولته ومواقفه العديدة، فتتجلى لوحاته زاهية كي تكسر كل قواعد النقاد التشكيلين، وذلك قد يعود للتجربة التشكيلية العميقة من جهة والتلقائية الفنية من جهة مقابلة، فنان استثنائي في كل شيء حتى في خياله يرسم، فهو درامي يجيد تقليد الشخصيات ويطرب لفنان العرب والعجم، عاشق لكرة القدم وصانع ألعاب بدرجة امتياز، كما هو صانع ألوان باقتدار، هو مزيج الفن الكروي والفن التشكيلي، كثيرا ما يردد الفن والرياضة وجهان لعملة واحدة وهو عملة الفنان النادرة جدا..!



فاضل في كل شيء إلا في لوحاته المتمردة على كل شيء، فما زلنا ننتظر منه الكثير، يملك روح النكتة اللذيذة وحين يمارس خربشاته وقفشاته أعلم بأنه في ميلاد لوحة تشكيلية صارخة آخر المساء يسترخي تماما لكنه لا ينام، يستجمع كل الأضواء حوله ليوقد آخر نقطة ظلام في داخله!

«بيكاسو الجنوب» تاريخ مليء بالمفارقات والتناقضات الطويلة، فهو الفنان الذي يعيش حالة فنية مستمرة ويعشق تفاصيل الأشياء الصغيرة، وينصهر معها لدرجة الإنسانية، لوحاته تشبهه كثيرا لكنها تحاول أن تهرب منه أو تثور عليه لأنه لا يعيش في جلباب الرتابة التشكيلية.



ومضة:

يقول البروفيسور الدكتور محمد المدخلي عن «بيكاسو الجنوب»: الفنان فاضل صاحب فرشاة ذهبية معاصرة يحاكي الجمال العسيري في السراة وتهامة، وإن حب المبدع لفنه يجعل منه منجما فنيا يقدم للمجتمع كل مفيد تماما كما فعل بيكاسو في لوحاته الخالدة عالميا، والفنان إبراهيم فاضل ينضم إلى مدرسة بيكاسو فهو إليه أقرب تأثرا وحرفية وتعبيرا.