محمد العوفي

إلا الاستثناء!

الخميس - 19 يناير 2017

Thu - 19 Jan 2017

لدينا مشكلة كبرى مع الاستثناءات التي لم تترك نظاما أو لائحة إلا وأوجدت لها موضع قدم، تتسع وتضيق هذه المساحة حسب قوة ونفوذ طالب الاستثناء وعلاقته مع مركز السلطة والقرار. ونتفق جميعا أن وجود الاستثناء أحد عيوب الأنظمة واللوائح لدينا، فهي عملت على تعطيل تطبيق بعض الأنظمة، وقادت إلى التطبيق الانتقائي لبعض منها على فئة دون الأخرى، بما يخالف قواعد العدالة والمساواة بين كافة فئات المجتمع وطبقاته.



هذه الاستثناءات - شئنا أم أبينا – ثغرة نظامية أوجدت واستغلت من قبل فئة معينة لخدمة مصالحها على حساب الآخرين، وهي لا تقتصر على نظام أو لائحة دون غيرها، بل لا يكاد يخلو منها نظام إلا فيما ندر.



نذر السعي للحصول على الاستثناءات بدأت تطل برأسها مع اقتراب الإعلان عن الأراضي التي ستفرض عليها رسوم في المرحلة الأولى، والمقرر في منتصف فبراير المقبل، حيث تلقت لجنة الرسوم على الأراضي البيضاء - بحسب ما ذكره مستشار وزير الإسكان والمشرف على برنامج الرسوم محمد المديهيم- 53 طلبا للاستثناء من الرسوم في مدينة الرياض وحدها دون باقي المدن، وأن هذه الطلبات محل الدراسة والمراجعة، وسيتم البت فيها قريبا.



بالطبع لم يحدد مستشار وزارة الإسكان طبيعة هذه الطلبات، ومبرراتها، وأصحابها، قد لا يكون بذات أهمية حضور الاستثناء كجزء من التحديات التي يواجهها تطبيق أي نظام أو لائحة، كونه عادة يأتي مخالفا للنظام وضد المصلحة العامة لصالح المصلحة الفردية فقط. والاستثناء المشار إليه هنا يعني انطباق تحصيل الرسوم على هذه الأراضي بقوة النظام، لكن هناك مساع لتعطيل هذا الحق على أراض معينة دون غيرها، بما لا يتفق مع النظام واللائحة اللذين حددا الأراضي المعفاة من الرسوم أو التي لا تنطبق عليها الرسوم، وما عدا ما حدده النظام واللائحة سيكون استثناؤه إفراغا لهذا النظام من محتواه.



في حال قبلت لجنة الرسوم على الأراضي البيضاء طلبات الاستثناء هذه، كيف ستبرر الوزارة قبولها في حال أن هذه الأراضي لم تكن من الأراضي المعفاة نظاما من الرسوم؟ وإذا كانت معفاة فلماذا يتم التقدم بطلب الاستثناء؟ أسئلة لا يملك إجابتها إلا لجنة الرسوم في وزارة الإسكان، وهو ما ستكشفه لنا الأيام المقبلة.

على أي حال، نجاح هؤلاء في الحصول على الاستثناء سيفتح الباب مجددا حول جدوى نظام رسوم الأراضي البيضاء في ظل وجود مثل هذه الاستثناءات، كما أنه سيفتح الباب أمام دفعة جديدة من طلبات الاستثناء الجديدة التي قد تجد ما يبررها في حال حصلت فئة معينة على ذلك.



أدرك جيدا أن لدينا مشكلة كبرى مع الاستثناءات، فكثير من الأنظمة منحت الوزير أو رئيس الجهاز الحق في استثناء من يشاء من بعض الشروط اللازمة للحصول على خدمة ما أو وظيفة ما أو حتى بعض العقوبات، وحتى في حال لم يمنح النظام الحق في الاستثناء هناك كثير من محاولات الالتفاف على هذه الأنظمة وتعطيلها جزئيا.



خلاصة القول أن الاستثناءات في الأنظمة والسعي للحصول عليها أمر غير مقبول تحت أي ذريعة أو مبرر كان، ويجب أن تكون الأنظمة صريحة وتقفل باب الاستثناءات الذي استغل لمصالح فئة معينة دون غيرها، والاستثناء في قضية رسوم الأراضي لا يخرج عن ذلك، لكنه يتجاوز ذلك كونه يمثل نقطة تحول في نجاح حلحلة أزمة الأراضي التي وصلت أسعارها عنان السماء نتيجة للممارسات الاحتكارية التي يقوم بها قلة من التجار، ولن يدخروا وسيلة أو طريقة تقودهم إلى الاستثناء من الرسوم إلا وسلكوها، كما أنه قد يفتح الباب مجددا لمزيد من طلبات الاستثناء التي لن تتوقف عند فئة دون غيرها.



[email protected]