خداع الموت

الأربعاء - 18 يناير 2017

Wed - 18 Jan 2017

يقترب العلم المجنون من محطة علاجية يمكن بواسطتها تجديد جسدك القديم وأعضائك التي تتلفها الشيخوخة، وبالتالي الابتعاد سنوات عن الموت.



تخيل عالما يمكنك الحصول فيه على قلب جديد ملائم أو كبد أو كليتين، جميعها استزرعت من خلايا جسمك، وأن يصبح ذلك أمرا شائعا سهلا كما هو الحال مع استبدال المفاصل وعظام الفخذ الآن.



أو تخيل عالما حيث تحتفل بعيد ميلادك الـ94 بإنهائك سباق ماراثون شاركت فيه مع أصدقاء المدرسة، أو بعبارة أدق تخيل عالما بلا شيخوخة.

هذه العالم الذي وصفته "الإيكونوميست" ليس ممكنا بعد، لكن ربما يظهر عالم كهذا يوما. يأخذ هذا الأمر وقتا مكثفا من أبحاث الأطباء والعلماء، لكن مع توفر بعض العلاجات الآن صار ممكنا إبطاء أثر الشيخوخة.



لقد ارتفع متوسط العمر في هذا القرن عن القرن الماضي، بفضل الأطعمة الأفضل، والسكن، والصحة العامة، وبعض الأدوية.

ويدعي المتفائلون بأن هذا العقار سيرفع سقف أعمار الناس اليوم ليصل إلى 120 عاما، لكن هذه مجرد بداية.



في المرحلة المقبلة لن يرتفع سقف متوسط العمر فحسب، بل سيصل إلى أقصاه. فإذا بلي عضو من الجسم سيتم إصلاحه أو استبداله، وسيعدل الحمض النووي لحياة طويلة، وستكون أدوية مضادات الشيخوخة شائعة.



الإنسان وسوبرمان

تحقيق لهذه الغاية، يحاول عدد من الراغبين بذلك تطوير ورفع مستوى الأنسجة المهترئة باستخدام الخلايا الجذعية، فالأمر ليس غير مثبت علميا فقط بل يشبه أساطير مصاصي الدماء، على الرغم من أن عملية زرع الأعضاء تسير على نحو جيد.

قد يبدو هذا من وجهة نظر الفرد أمرا مرغوبا فيه للغاية، أما للمجتمع ككل سيكون لذلك آثار عميقة، قد يكون أغلبها جيدا، لكن لا يمنع ذلك وجود السلبي منها.



المجتمع

لعل أحد الأمور التي تثير القلق هو أن الحياة الطويلة ستؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل، وسيكون التحدي الأكبر هو كيفية الوصول للعلاجات المضادة للشيخوخة، فإذا كانت زيادة طول الحياة مكلفة، نحن بصدد صراع حول من الذي سيصل لها أولا؟

يمكننا أن نتوقع ذلك من الوضع الحالي، ستحدث زيادة من خلال استعمال علاجات لا يمكن للفقراء الوصول إليها، ربما يعمق ذلك الانقسامات الموجودة بالفعل في المجتمعات، والتي تسبب توترات بالفعل للديمقراطيات.



العمل

السؤال هو: هل سيكون هناك تمييز ضد العمال الأكبر سنا، كما هو الحال الآن، أم إن زيادة عدد سنوات عمرهم ستكون سوطا مسلطا على الشباب؟ هل سيزداد تشبث الرؤساء بمناصبهم فيحبطون مرؤوسيهم أو من هم أقل منهم؟ أم إنهم سيملون فيقررون الاعتزال والبدء بأمور أخرى مختلفة؟

هناك سبب للأمل، وهو أن هناك احتمالية أن يكون كبار السن أقل ذكاء، فالحياة نفسها ستصير سلسلة من البدايات الجديدة. أزمات منتصف العمر ستكون أكثر من مجرد محاولات استعادة ما خسره الفرد في مرحلة الشباب، بل ستتمحور حول كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من نصف القرن المقبل.



التقاعد

قد يصير خيارا مستبعدا لكثيرين، فمع العمر الطويل ستكون حسابات المعاش التقاعدي هائلة كي تغطي تلك الأعمار الممتدة. ولهذا فإن الملف المهني الشخصي سيكون بالغ الأهمية، وتباعا يجب أن يتغير النظام التعليمي.

ويمكن للناس في سن الـ 50 العودة مجددا للجامعة ودراسة شيء مختلف تماما عما درسوه من قبل.



الأسرة

أما عن الأسرة والحياة الزوجية، في حال صار ذلك ممكنا، كم من الأفراد حقا سيقررون ربط أنفسهم بزواج في الـ20 إذا تيقنوا أنهم سيبقون معا 80 عاما؟

فكرة شريك الحياة الواحد هي بالفعل تنهار، وفي طريقها للندرة، وسيحل مكانها تعدد الزوجات، وكل علاقة تستمر بالقدر الذي يراه الشريكان ملائما لاستمرار الحياة الزوجية بينهما.



أما فيما يخص التناسل، من المفترض أن خصوبة الذكر تعمل بكفاءة إلى أجل غير مسمى، وعلى الرغم من أن مبايض النساء تنتج عددا محدودا من البويضات، سيكون العلم والتكنولوجيا قادرين على حل تلك المشكلة، ثم يمكن للأزواج الاستمرار في الإنجاب لعقود من الزمن غير متقيدين بعمر معين.



فخ "تيثونس"

هذه التكهنات ممتعة، وأغلبها يبعث على التفاؤل، فالوعد بحياة أطول وبصحة جيدة قد يجلب الكمال لحياة الإنسان، لكن تلك الرؤية للمستقبل تعتمد على شيء واحد، وهو شرط أن تكون الحياة الطويلة مع صحة جيدة.



على الإنسانية أن تتجنب الفخ الذي وقع فيه "تيثونس" الذي منح الحياة الأبدية، لكنه نسي تمني الشباب الأبدي والصحة معه. فانتهى به الحال مبتلى بحياة أبدية لا صحة فيها، وتقول الأسطورة إنه ذبل وتحول لاحقا إلى حشرة "السيكادا" وتمنى الموت.

الفخ الذي وقع فيه "تيثونس" حدث لأن الأجسام بالأساس تطورت لتكون وعاء يمكن التخلص منه، هدف تلك الأوعية حمل الجينات من جيل لآخر. يصف علماء الأحياء ذلك بعبارة "الجسد غير قابل لإعادة الاستخدام".



هي عبارة لا تفسر الشيخوخة بشكل عام، لكن تشرح لماذا يتمتع الجسم بحماية في فترة الشباب من الخرف، والسرطان، ومشاكل القلب، والأوعية الدموية، والتهاب المفاصل، وغيرها، بينما تكتظ بها مرحلة الشيخوخة بمجرد أن تنتهي وظيفة الجسم في التناسل.

حتى إن العقل الصحي السليم ربما تصيبه الشيخوخة بشكل سيئ، فالعقل هو عضو خلق ليحمل 70 أو 80 عاما من الذكريات، ربما لن يصمد إذا عاش 150 عاما.

السؤال الآن: هل ترغب بأن تعيش حتى تصل إلى سن الـ 150؟