هبة قاضي

حين قالت للسائق لا تصلِ

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 15 يناير 2017

Sun - 15 Jan 2017

لديها موعد مهم في دائرة رسمية الساعة الواحدة ظهرا، فنسقت مع السائق أن يكون منتظرا إياها. حين نزلت مسرعة حوالي الساعة الثانية عشرة وأربعين دقيقة فوجئت بالسيارة مغلقة وبالسائق مختفيا. قامت بالاتصال عليه عدة مرات ولكن لا مجيب، وخوفها يزداد من أنه قد توجه للصلاة في المسجد. نظرت إلى ساعتها التي تتجه عقاربها بسرعة جنونية نحو الساعة الواحدة، وقدرت الخسائر وقامت بطلب سيارة كريم في محاولة يائسة للوصول على الموعد.



من أعجب الأشياء في حياتنا هو ذلك التناقض العجيب الذي نعيشه حين تضارب قناعاتنا الظاهرة مع أسلوب حياتنا وفلاحنا فيها. فذلك السائق المسكين البسيط التعليم والنشأة يصر على المحافظة على الصلاة، والمواظبة عليها في المسجد، وهو يسجل من المخالفات شهريا ما تراكمت ديونها عليه، فما عاد قادرا على سدادها.



نفس ذلك السائق يمتلك جوالين ينفق عليهما جل ماله ويضطر للاقتراض على راتبه طوال الشهر ليسد مأكله ومشربه. نفس ذلك المواظب على الصلاة في المسجد يتحايل ويكذب بشأن عرض عمل آخر في محاولة ملتوية لرفع راتبه، وهو الذي لم يكمل شهرا في الخدمة. نفس ذلك الشخص المصر على الجماعة طمعا في الثواب وخوفا من عقاب الله يتأخر في النفقة على زوجته وأولاده ولا يسأل عنهم ويحوجهم للسؤال من الأغراب. نفس ذلك السائق يتهاون في عمله وفي متطلباته، وهو أحوج ما يكون إليه بحجة أن الله سيدبرها. ونفس ذلك المواظب على الصلاة يمارس العنصرية على السائقين الآخرين ممن يعتقد أن أجناسهم أدنى من جنسيته.



سن الله العبادات كالصلاة والزكاة، جاعلا جزءا منها مختصا بعبادة العبد القلبية التي تكون بين العبد وربه. وأما الجزء الآخر فهو ليهذب به أخلاق العباد، وتنعكس نتائجها في تعاملاتهم ليعيشوا نموذج (الدين المعاملة)، ولكن ما نراه للأسف هو تناقض تزداد فجوته يوما بعد يوم، منعكسا في أحوالنا وأمورنا وتعاملاتنا. فتجد ذاك الشتام البذيء المحرض على الفتن يصول ويجول مؤذيا هذا وذاك بحجة الدفاع عن الدين والوطن. وتجد ذاك المهاجم لفكر مختلف يستخدم أشنع الأوصاف والتحقير لتدخل حسابه فتجده مليئا بالدعاء وبالحث على حسن الخلق. ثم نستغرب لماذا يهاجم العالم ديننا، ولماذا يخرج العلمانيون من بين ظهرانينا ونحن الذين فصلنا بتصرفاتنا دنيانا عن ديننا.



[email protected]