باسم سلامه القليطي

قسوة الكبار تصنع الأشرار

الجمعة - 13 يناير 2017

Fri - 13 Jan 2017

تطورت الحياة في مجالات عديدة، ولكنها للأسف تراجعت نوعا ما في جانبها الأخلاقي، فأصبحت النظرة المادية للحياة، والواجبات اليومية التي لا تنتهي، أحد أهم أسباب قسوة القلوب، مع أن النفوس فطرت على الرحمة وعلى اللين، إلا أنها تنتكس من حين إلى حين، ولا يحزنني في هذا الأمر سوى أولئك الصغار، فالكبار قد استوعبوا الدرس، أما الصغار فلا زالوا مرهفي الحس، لذلك عندما يقسو الأب على أبنائه، والمعلم على طلابه، والمجتمع على أفراده، فلا عجب أن تصبح القسوة صفة غالبة، ولا ريب أن القلوب ستصبح متباغضة، فنحن عندما نقسو على الصغار، فكأننا ندفعهم دفعا لينضموا إلى حزب الأشرار، فأصبح البعض يجيد هذه الصناعة، بل إنه يتفنن بها ببراعة، ولكن السهم الذي رماه سيرتد عليه، ويوما ما سيجني ما زرعته يداه.

مساكين هؤلاء الصغار، يرتكب الكبار حماقاتهم فيكونون هم أكبر الخاسرين، في الحروب تجدهم أكثر الضحايا، فيشردونهم ويحاصرونهم ويجوعونهم ويقتلونهم، لعن الله الطغاة، وفي الدول الفقيرة يحملونهم فوق طاقاتهم، فيكلفونهم بأعمال لا تصلح إلا للأقوياء من الرجال، فيسلبون منهم براءة الطفولة، ويقتلون فيهم الأحلام والآمال، فيحولونهم إلى مخلوقات تشبه الأطفال، قاتل الله القساة.

لا أعتقد أن شخصا عاقلا استيقظ من نومه فجأة وقال: أنا اليوم سأصبح شريرا، وأكاد أجزم أنه لا يوجد إنسان اختار أن يكون شريرا لمجرد الشر، وإنما هناك عدة أسباب جعلت منه شريرا، منها: الرغبة في الانتقام، أو الاعتقاد أن الشر مصدر للقوة والسعادة، وتقريبا هذان السببان مكملان لبعضهما، فمن يرغب في الانتقام لا تعنيه الوسيلة، وبالطبع لا تهمه الطريقة، المهم أن ينتقم ممن ظلموه، وأن يعاقبهم على ما فعلوه، وغالبا سيصبح أفراد المجتمع في صراع دائم، بين انتقام مظلوم وقسوة ظالم، ويتبادلون فيما بينهم المشاهد والأدوار، ويأتي بعدهم من يكمل المشوار، فلا المظلوم ينسى ويغفر، ولا الظالم يتوب ويهجر.

يقول الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله: إذا أردتم أن تعرفوا مجرمي الغد الخطرين السفاكين، فابحثوا عنهم في ثياب أطفال اليوم البائسين المظلومين، وارفعوا الظلم يرتفع الإجرام، وأذهبوا البؤس يذهب الخطر، واعلموا أن هؤلاء المجرمين الذين تمتلئ بهم السجون كانوا يوما أطفالا أطهارا، وأن هؤلاء الأطفال المهملين المظلومين سيصيرون يوما مجرمين أشرارا.

ولقد علمنا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام الرفق واللين فقال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)، فالرفق يعني اللطف والتبسم وحسن المعاملة، ويعني التودد واللين وكمال المجاملة، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله)، وقال: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله).. وليس بعد هذه الأدلة كثير كلام، إنما هي دعوة محبة ورحمة وسلام.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال