الجمال.. وهندسة الذوق

الخميس - 12 يناير 2017

Thu - 12 Jan 2017

إن الذوق رغم أنه فطري في جانب منه؛ فإنه قابل أيضا للتثقيف والتهذيب من خلال الاطلاع والنقد والشرح والتوضيح لتفاصيل الأعمال الإبداعية والفنية وتقويمها، وبشكل عام فإن دراسة سيكولوجية التذوق الفني ترتكز على الخبرة النفسية التي يمر بها المتذوق عند استغراقه في تأملاته بالأشياء الفنية أو الجمالية، وعلاقتها بالسمات الشخصية المرتبطة بالفروق والتشابهات بين الثقافات والحضارات المختلفة تجاه عمليات التذوق.



وعبر تاريخ سيكولوجية الفن طرحت تساؤلات كثيرة حول موضوع الإدراك الجمالي، ويتعلق أحد هذه التساؤلات بدور الوراثة أو القدرة الفطرية ودور البيئة، وبشكل أكثر تحديدا بأثر التدريب على تحليل الفن، وراح بعض العلماء إلى أن الذكاء الجمالي البصري هو ذكاء وراثي إلى حد كبير، بينما الحكم الجمالي أو التقويمي يرجع إلى الخبرة، ومع ذلك يظل السؤال الأكثر إلحاحا: ما إذا كانت هناك أنواع مختلفة من الإدراك من بينها يوجد الإدراك الجمالي؛ فهل يختلف الإدراك الجمالي عن الإدراك العادي؟



إن المبرر الهام لدراسة علماء النفس هذا المجال، هو التزام هؤلاء العلماء بدراسة الخبرة الإنسانية. وأن الخبرة الجمالية واحدة من أكثر خبرات الإنسان جوهرية ونفعا وأن الخبرة الإبداعية عند الإنسان الفنان المبدع تتحول إلى خبرة جمالية ذوقية عند الآخرين المتلقين، وأن دراسة الجماليات والفنون قد مهدت الطريق أمام دراسة الإدراك مع العلم أن الجماليات قد تكون جزءا من الفنون، ولكنه ليس مقصورا عليها أو محصورا في مجالها؛ ففي الحقيقة يمكننا القول بأن كل شيء في الحياة له جانبه الجمالي وذهب إلى ذلك أيضا علماء النفس المعاصرون في أن الحكم الجمالي يتعلق بالخصائص البنائية والمميزة للأشكال أو الموضوعات وطريقة نظر الإنسان لها وتذوقها ومن هنا اتجهوا إلى دراسة عملية الإدراك ودراسة السلوك الفني ووضع التفسيرات الواضحة من خلال عمليات الاستدلال والتأمل والتفكير والتخيل والتصور، وغيرها في تفسير الإبداع الفني والإدراك الجمالي.



وما زالت البشرية تفتقر إلى دراسات وبحوث إنسانية أكثر عمقا وتخصصا في مجال السلوك الذوقي للجماليات، وهو إضافة إلى الاهتمام بدراسة سلوك الفنان المبدع عندما ينتج عمله، و بسلوك الفنان المفسر (أو الناقد) الذي يقوم بعمليات النقد والتقويم؛ ولا شك فإن هؤلاء أيضا أفراد لديهم حاسة الذوق عالية فهم «متذوقون» وهذه الكلمة تشير إلى القارئ والمستمع والمشاهد أو المتلقي بشكل عام؛ ومن خلال ذلك تم تأكيد الحاجة لدراسة هذه الخبرة؛ فدراسة الإدراك تفيدنا كثيرا في فهم عملية التذوق.



ولا شك فإن الفن الجيد يحتاج إلى البعد عن الطرائق المألوفة والآلية والحرفية من النظر والسماع والفهم وكذلك التشويق الذي هو أحد ملامح الأعمال الفنية المبدعة الذواقة، وعلى كل حال فإن فهم المكونات والنشاطات الخاصة بعملية الإدراك ليست سوى الخطوة الأولى لفهم التذوق الفني، بما يشتمل عليه من جوانب معرفية ومزاجية واجتماعية مختلفة.