هبة قاضي

حالة تقمص

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 10 يناير 2017

Tue - 10 Jan 2017

أثار مقالي السابق (هاشتاق هوية الحجاز) الكثير من اللغط في موضوع شائك، ودعوني أعترف بكل شفافية أن دافعيتي لكتابته كانت الحزن والاستياء والخوف. نعم الحزن على ذلك الغضب والكره الذي رأيته في فئة مقدرة من النسيج الاجتماعي لبلادنا، والاستياء من هجومهم على ثقافة الآخر ومقدراته الفكرية كوسيلة للتعبير عن هذا الغضب. والخوف كان من تفاقم الموضوع وتحوله إلى سجال جاهلي يوقع الفتنة ويؤدي بنا إلى ما لا تحمد عقباه. حسبت نفسي حين كتبت منصفة. حيث ذدت عما طعنوا فيه، ثم توجهت بخطاب كنت صادقة فيه بالتسامح والاعتراف بتراثهم وثقافتهم. ثم دعوة لنا جميعا، وأقصدها جميعا أي أنا وهم وأولئك وهؤلاء لهجر معتقدات أحقية المكان، وموروثات التفاخر بالأنساب في عصر ما عادت هذه مقوماته ولا أسباب الوجود والنماء فيه. فلعقود لم تفعل هذه الممارسات إلا أن دفعتنا جميعا إلى الوراء.



في آليات تطوير الأعمال والبرامج الاجتماعية يتم استخدام العديد من المنهجيات الفكرية والإبداعية التي تساعد على حل المشاكل وتحويلها إلى فرص للنماء والتحسين. وأول خطوة في هذه المنهجيات هي ما يسمى Empathy أو التقمص العاطفي. تخبرنا المنهجية بأنك لن تستطيع حل مشكلة أو تطوير موقف إلا من خلال قدرتك على تقمص دور الشخص الذي يعاني المشكلة أو يشعر بالاحتياج. وقد قررت بعد ردود الفعل الغاضبة على المقال أن أحاول أن أكون أكثر إنصافا وأن أتجرد تماما من موروثاتي وحميتي تجاه ما أعتبره تراثي وثقافتي لأصبح محايدة. حينها فقط سأستطيع فعلا الاستماع للآخر، وحينها فقط سأرى تصرفاتي التي كانت تزعجه، حينها فقط سأستطيع فهمه واستيعاب وجهة نظره، وحينها فقط سأستطيع الشعور بألمه والتعاطف معه، وحينها فقط سأشعر بالرغبة في مساعدته والتعاون معه.



ما أريد قوله هو أنني أشعر بكم، وأرى سبب ألمكم وغضبكم، وعليه أدعو نفسي وغيري إلى احترام وجود الآخر ومقدراته وحقه في التعبير عن وجوده وتراثه. وأدعوكم أنتم لمثل ما فعلته معكم وهو الشعور والتعاطف وتقمص الأدوار، أعلم أن ذلك ليس سهلا، ولكننا أرض الحجاز ومهبط الوحي ومنبع الإسلام، نحن في مكان أكبر وأقدس من أن تنطبق عليه قواعد وتشريعات الإنسان. وخروج مثل هذه الشقاقات من بين ظهرانينا هو طعن في المنبع وتشويه لمكان يفترض أن يكون أسوة العالمين في التعاملات. لذا لندع ماضي التحقير من الآخر سواء البعيد أو القريب ينتهي في قاع النسيان. ولنبدأ عهدا من التسامح نكون فيه لبعضنا عونا في تحويل بلادنا ومنها الحجاز إلى نموذج للتحضر والنماء حاضرة وتراثا.



[email protected]