التدوين.. غريزة حب البقاء

الاحد - 08 يناير 2017

Sun - 08 Jan 2017

مع بداية العام الجديد يتهافت البعض لوضع الخطط وشراء الأجندة وأوراق التقويم الملونة المغرية الشكل، ولقد وقعت هذا العام في هذا الفخ اللذيذ فكرة التدوين كعادة جديدة وهي الكتابة اليومية في دفتر صغير ومضات من يومي أو أهم الأحداث كمثال «التعرف على أغنية جديدة أو الذهاب للتسوق وغيره».



ومن تجربتي خلال أول أسبوع اكتشفت أن التدوين ليس فكرة مترفة أو موضة وسأبتعد عن الإيجابية المفرطة، وأقول إننا خلال التدوين نسجل أخطاءنا ونتعلم منها لا هي بالنسبة لي «مرونة الكتابة»، التدوين هو اللبنة الأولى لكل من يرغب أن يكون كاتبا ناجحا أو جيدا على الأقل، فعندما تدون بشكل يومي تذهب تلك الرهبة والخجل من الكتابة، وخلال توقفي قليلا أمام مكتبتي الصغيرة اكتشفت أن أغلب الكتب التي جذبتني لم تكن إلا تلك المكتوبة بأسلوب التدوين للحياة اليومية التي غالبا ما نخلط بينها وبين الرواية فنجد رواية باولا لإيزابيل اللندي هي في حقيقتها تدوين حياتي وليست رواية، فهي تتحدث عن أم محزونة على ابنتها المسجاة على سرير المشفى في غيبوبة لمدة خمسة أشهر، فنرى إيزابيلا تكتب لابنتها أحداث الحياة اليومية، خليط بالذكريات أملا في أن تصحو ابنتها باولا وتقرأ ما دونته أمها حتى لا يفوتها شيء من أحداث الحياة خلال فترة غيبوبتها، وكذلك نرى كتاب رأيت رام الله الذي يسميه البعض رواية أيضا «وهو ليس كذلك فمريد البرغوثي يحكي فيها عن حياته في المنفى وتعرفه وزواجه من الأديبة رضوى عاشور «رحمها الله»، وكذلك يتحدث عن أصدقائه المقربين وأقاربه وابنه الوحيد تميم، وأخيرا قصته في العودة لرام الله بعد سنوات النفي الطويلة، كل ذلك كتب بأسلوب سهل ولطيف يستطيع أي قارئ بسيط أن يقرأه بمتعة لأنه كتب بأسلوب التدوين للحياة، والذي يخلو من التكلف، وكذلك الشاعر الكبير محمود درويش عندما كتب ذاكرة للنسيان أثناء حصار بيروت عام 1982، ولا أستطيع أن أقول إن كل لغة الكتاب سهلة، ولكنها مكتوبة بأسلوب التدوين أيضا، فنرى درويش يغرق في وصف تفاصيل إعداد القهوة أو مشاهدته للحياة الكئيبة من النافذة، يصف الجنائز والمشيعين، أو يضحك بسخرية على ما يسمعه من أخبار على الراديو.



وفي الختام أتساءل لماذا ينشر الكتاب تلك الكتابات الخاصة عن حياتهم للجميع، ولم أجد إجابة سوى أن البشر لا يريدون أن تبقى ذكرياتهم رهينة صدورهم ودفاترهم فحسب، بل يريدون البقاء في ذاكرة الآخرين أيضا لأطول وقت ممكن.