مثقفو خالف تعرف

الاحد - 08 يناير 2017

Sun - 08 Jan 2017

نحرص على متابعة الأخبار اليومية وعناوينها ونشراتها وتقاريرها، ليس حبا فيها، فليس فيها من الجمال ما يغري لحبها ولكن حرصا على متابعة أحوال العالم وتطوراته حولنا من جانب، ولأنها معيار تصنيفي لفرز المثقفين من عدمهم من جانب آخر، وكلنا يريد أن يكون مثقفا لا شك، لذلك يحرص عليها.



ولأن القنوات التي تعنى بعرض الأخبار تبحث بطابعها التجاري عن تحقيق المكاسب والمزيد من الأرباح فهي تركز دائما على المشاهد الأعنف والأشد قسوة والأكثر إيلاما وبعدا عن الإنسانية لتنجح في تحقيق بغيتها في استقطاب المشاهدين وشد انتباههم، لذلك هي تركز عدساتها على تصوير مشاهد الأحياء المحبوسين تحت الأنقاض ينتظرون يدا تنتشلهم وبكاءات الصبية وتهجير الناس من منازلهم بعد تدميرها وشكاوى العجزة وابتهالاتهم وغير ذلك من الأنظار التي تتقطع معها قلوب الشرفاء.



والقنوات هذه الأيام تطل علينا بتغطياتها لأخبار الحصار المكمم لأنفاس مدينة حلب السورية التي تغزل بها المتنبي يوما وأبو العلاء المعري والأخطل الصغير وجمع من الشعراء والأدباء أيضا، وهو حصار يمثل امتدادا لمآسي الربيع العربي المجدب الذي لم ينبت إلا الحسرة والتشرد وخراب البيوت.



وأنا أعي جيدا وأتفهم تماما أن من نتائج الثقافة والعلم اختلاف الأفهام وتكوين آراء جديدة لم يسبق إليها، لكني أعجز عن فهم رأي يتنازل قائله طواعية عن مبادئ المروءة والشرف ساخرا ببجاحة منقطعة النظير من حال المنكوبين والمشردين الذين التقطهم الشارع بعد أن وجدوا أنفسهم بعد أن كانوا معززين مكرمين بلا مأوى يلتقطهم، ولا يكتفي بقبح منطقه بل يستنكر من الذين يبدون تعاطفا أخويا بما استطاعوا معهم ويحتج بأن السياسة لعبة أكبر من أدمغة البشر، وربما كان رأيه من فئة آراء (خالف تعرف) باعتباره رأيا يحول صاحبه إلى مادة تويترية يذكره به المغردون.



والعار أن يأتي التعاطف والموالاة من ساسة ومثقفين وإعلاميين وبسطاء في كل نواحي الأرض من مشرقها إلى مغربها غير متخلين عن إنسانيتهم، ويشح به القريب الذي يجتمع مع مكلومي حلب وغيرها ممن طالتهم أيدي العبث والعابثين في مشتركات الدين وروابط اللغة والعروبة والدم، ورغم كل هذا لا تتحرك فيه السواكن، ويبقى ضميره غاطا في سباته، ونحن لا نطلب منك أيها المثقف البارع أن تتجاوز الحدود حاملا سلاحك فهذا تطرف لا نريده وتهور لا نطلبه، فسلاحك لن يصرف المعركة باتجاه آخر لمصلحة من تريد، والحروب لا تديرها العواطف فهي أقوى مما تتصور، لكننا نطلب منك أن تلين قلبك وتحرك لسانك بدعاء قلبي صادق لإخوانك بالنصر والتمكين، فإن لم تقتنع فأمسك لسانك وكف عن استفزاز مشاعر الشرفاء.