منى سالم باخشوين

هندسة الفقر

الاحد - 08 يناير 2017

Sun - 08 Jan 2017

عندما كبر نبي الله إسماعيل عليه السلام في مكة وتعلم العربية فيها، تزوج امرأة من أهلها، فجاء سيدنا إبراهيم عليه السلام ليزوره فلم يجده، فسأل امرأته عنه وعن عيشهم، فقالت نحن بِشَرٍ وضيق وشدة، وشكت إليه. فقال لها: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل عليه السلام أخبرته ففهم من ذلك ما أراده والده وقال لها: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك. الحقي بأهلك.



وتزوج من أخرى وحدث أن جاء سيدنا إبراهيم لزيارتها ولم يجد سيدنا إسماعيل فسألها عن أحوالهما، فقالت إنهما بخير وسعة، وأثنت على الله، فدعا لهما سيدنا إبراهيم بالبركة، وقال لها: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلما أخبرت سيدنا إسماعيل قال لها: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك.



الواضح من هذا أن إحداهما لم تكن لديها قناعة وكانت تتبرم وتتضجر، والثانية عكس ذلك من الشكر للنعم والرضا بما يسره الله لزوجها من الرزق دون تبرم أو ضجر. وبالطبع يتضح الحرص على الاعتناء باختيار الزوجة.



ربما فهم القارئ ما أريد قوله. وربما فهم القارئ كل ذلك وأكثر منه منذ بداية التغييرات التي حولنا وما علينا أن نفكر به ونستعد له لنتأقلم فلا نخسر هدوءنا وقدرتنا على العيش كما يفترض أن يليق بنا. وربما فهم القارئ أن عدم وضوح ما يحدث ليس مبررا، لأنه لا يفكر هو كيف يتناول أمور حياته بالصبر وكيف «يهندسها» حسب ما يستطيع دون تبرم أو تضجر، وإنما برضا وصبر. وحتى إن كان لا يجد – مثلي - دورا قويا لمجلس مثل مجلس الشورى الذي عولنا عليه الكثير من الأمل في محاسبة وزير ومسؤول وحسم أمور لصالح الفرد والجماعة والوقوف مع المطحون منهم أو سواه، حتى إن كان القارئ لا يجد للمجلس هذا الدور فلا بأس يمكنه العيش وكأن هذا المجلس لا وجود له. وكأن أشياء كثيرة لا وجود لها حتى أجزاء من دخله كان يعتمد على وجودها، وعليه أن يفكر كيف يعيش من جديد دون كثير وكثير مما كان في حياته من ماديات شاء أو أبى، فعليه الحياة الآن ولسنوات تأتي دونها.



وإن لم يفكر كيف يعيد «هندسة» أيامه وصرفه ومدخراته فلن يستطيع الصمود طويلا أمام كل ما سيتغير ولا يفهمه وحتى إن لم يفهم ما تعنيه الرسوم، أو لم يستطع أن يطالب بخدمات تعادل أية رسوم يدفعها، حتى وإن شعر بصدمة بعد أن يبدأ تطبيق بعض مما سيقوم بهندسته ويجد أن هناك هوة بين النظرية والتطبيق.



وحتى إن أغلقت مؤسسات خاصة أبوابها وسرحت موظفيها وكان هو أحدهم، عليه أن يأخذ نفسا عميقا، ويهندس كيف سيبدأ من جديد.



[email protected]