أحمد الهلالي

حين نتآمر علينا!

الجمعة - 06 يناير 2017

Fri - 06 Jan 2017

فرق بين المباهاة والفخر، فعادة النفس البشرية أن تعوض عن النقص، وحين غاب الفخر الحقيقي الذي عرفناه في (التراث العربي)، اجتررناه حتى مللنا، ثم أصبحنا نبحث عنه، فلم نجده فانقلبنا إلى التفاخر والمباهاة الجوفاء في أشعارنا وأحاديثنا وطريقة حياتنا وتعاملاتنا.



حين فاخر العالم الصناعي بمنتجاته المعقدة، فاخرنا بأضخم كبسة، وأكبر شطيرة، وأطول شوكولاته، وأعلى برج وأطول نافورة، هذا على المستوى العام والاقتصادي، وليس المستوى الشعبي بأفضل حال، حين انتقلت إليه العدوى، فأخذ الناس يبحثون عن (المدح) في كل شأن من شؤون حياتهم، حتى تبدلت الكثير من القيم، وفُرغت بعضها من مقاصدها السامية؛ لتصبح جوفاء لا معنى لها ولا قيمة.



ثرنا مستنكرين على صاحب (العسل والهيل والعود وغيرها) واتهمناهم بـ (الهياط)، لكننا أغضينا عن النظر في أنفسنا، فإن صنعوا قمما جديدة فوق (هياطنا) المعتاد، واستنكرنا قممهم؛ فنحن لا نعلم أن واقعنا اليوم كان قمما مستنكرة بالأمس.



كان الكرم قيمة اجتماعية عليا، وعلى النقيض منها البخل، والمعروف عند العرب أنه لا يكتسب صفة الكرم إلا من يجود رغم حاجته، ولا يوصف بالبخل إلا القادر الشحيح، وهذا ضابط الجاحظ في تناوله للبخلاء في كتابه الشهير، لكن الحال اليوم تبدل، وصار الفقير يوصف بالبخل، والغني يوصف بالكرم، حتى صارت مباريات (الهياط) تخرج الكرم عن معناه وحقيقته، وصارت أوصاف البخل تطلق على ما دون ذلك دون مراعاة لظروف الناس ولا لأنعم الله.



وكانت مناسبات الزواج مظهر فرح وحياة مهما كانت بسيطة ومتواضعة، لكنها تحولت اليوم إلى كابوس على الداعي والمدعوين، وقد استؤصل الفرح منها حتى صارت مناسبة بروتوكولية رتيبة جدا، تسبقها وتتخللها مظاهر تزيد من رتابتها وثقلها على الروح، ثم فُرغت قيمة الرفد (المعونة التي يقدمها المدعوون إلى صاحب المناسبة) من مقصدها السامي، فدخلتها المباهاة، حتى خرجت من كونها معونة ومساعدة، إلى مضمار الرياء،و(شوفوا وش جبنا).



أتذكر الكبار حين يأتون بمعونتهم النقدية في ظرف مغلق، ويسلمها كبيرهم بهدوء يشبه السرية إلى (الداعي)، يتعفف بعضهم عن كتابة الأسماء والكشوفات، لكنها تحولت اليوم إلى مناظر بشعة، لمجموعات يتحلقون بأوراقهم وأقلامهم يسجلون الأسماء ويجمعون النقود أمام الناس، ثم يأخذها أحدهم ويصعد المنصة، يبارك عبر المكبر، ثم يقول «هنا معونة مبلغها (كذا وكذا) من آل فلان، فإن كانت كثيرة فتستاهلون، وإن كانت قليلة فمحبتكم تجبرها» ويبدأ الازدحام على المنصات لإعلان هذه (الخيبات) تحت أعين الكاميرات والسمعة، وسط هسهسة الحضور كم جابوا؟ وآل فلان أكثر،وآل فلان أقل!!



(ولا مستنكر) فما يزال المثقفون والعلماء وقادة الرأي يسايرون، وليتهم يتوقفون عند المسايرة، بل هم أيضا (يهايطون) على طريقتهم، ما قتل (البساطة) في الكثير من شؤون حياتنا، فتقبلنا وعورة التكلف الذي لا يغير حالا ولا يفضي إلى (مجد).والسلام.



[email protected]