عمار عبدالله عطار

هل يصلح الابتكار ما أفسده الدهر؟

الجمعة - 06 يناير 2017

Fri - 06 Jan 2017

قالوا قديما «لن يصلح العطار ما أفسده الدهر»، هل صادفت يوما هذا التعبير؟ أغلب الظن نعم، لكن هل تعرف ما معناه، وما قصة هذا التعبير الذي أصبح مع الوقت مثلا يضرب؟



يروى أن أعرابيا اسمه «أبوالعاج الكلبي» وكانت له زوج جميلة للغاية، ومع تقدمها في العمر هرم جسمها، واحدودب ظهرها، وحفرت السنين أخاديد بوجهها، وسالت أنهار الهموم على خديها، وفقدت كثيرا من جمالها. ومع مرور السنين تغيرت ملامحها وذهب جمالها وكبرت، فكان زوجها أبوالعاج لا يلتفت إليها ولا يعيرها اهتمامه كما كان يفعل وهي جميلة، فذهبت إلى عطار قريب من منزلها - وكان العطار قديما يصنع الدواء ويبيع العطر والأعشاب والبذور والحبوب ولوازم الزينة من كحل ومساحيق وحناء وعطور وما إلى ذلك، فلاحظ زوجها أبوالعاج ذلك، وعرف أن زوجه تذهب إلى العطار ليعيد إليها جمالها، فوقف عليها يوما وقال أبياته الشهيرة:

عجوز تمنت أن تكون فتية

وقد نحل الجنبان واحدودب الظهر

تروح إلى العطار تبغي زينتها

وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟



وكأن أسلافنا يرون أن التصابي واستعادة الشباب الظاهري هما المستحيل، ولعل ذلك كان في الماضي، أما الآن فلا. فمع تقدم العلوم والتقنية، وتسارع الابتكارات والمنتجات الطبية، أصبح عطار اليوم (شركات التجميل والأدوية والمنتجات الطبية والمستشفيات وعيادات جراحة التجميل) لديه دواء لكل داء، وحل لكل معضلة، وتخسيس لكل مترهل ومترهلة، ووجه «مهند» لكل ذميم، من عمليات تجميل الأنف، وشد الوجه والرقبة والجفون، وحقن البوتوكس، وتجميل الشفاه، وتقويم وتبييض الأسنان، وشفط الدهون، وحقن الدهون، وتكبير الثدي، وتكميم المعدة، وزرع الشعر، وعملية استبدال مفصل الركبة.



ولو عاش أبوالعاج الكلبي في زماننا هذا لربما سابق زوجه للعطار المبتكر من أجل أن يعيد صباه أيضا، حيث لم يعد التجميل حصريا على النساء، حيث تشير الدراسات في مجال الجراحات التجميلية على المستوى العربي إلى أن 87.8% من عمليات التجميل في دول الخليج تجرى للنساء، بينما بلغت نسبة الرجال 12.2%، وذلك في عام 2016، وتصدرت عمليات مثل شفط الدهون وتصحيح الأنف قائمة الجراحات التي تجرى في مراكز التجميل في عدد من دول الخليج، أيضا هناك عمليات أخرى مثل نفخ الشفاه وشد الوجه وإزالة الجفون التي تقع فوق العينين.



كما تتصدر المرأة الخليجية قائمة نساء العالم الأكثر إنفاقا على جمالهن وحسن قوامهن ورشاقتهن، حيث يقدر سوق مستحضرات التجميل في الخليج العربي بنحو 6.6 مليارات دولار سنويا، بزيادة سنوية قياسية مقارنة بدول العالم، كما أن السعودية شهدت خلال عام 1436هـ 20 ألف عملية «تكميم معدة»، حيث إن الإقبال على هذه العملية ارتفع داخل المملكة بنسبة 100% خلال السنوات الخمس الماضية، وأسعار عملية التكميم تراوحت في المستشفيات الخاصة ما بين 30 إلى 65 ألف ريال.



هذه العمليات التجميلية التي يتسابق الرجال والنساء على إجرائها وقتية، يعود الإنسان بعدها إلى ما كان عليه سابقا ولكن بصورة أسوأ، ومن ثم يعود البحث عن حلول تجميلية جديدة، وقد ثبت ضررها لعدد من الحالات، حيث سجلت أخطاء في عالم التجميل، ومن أبرزها حقن المواد الدائمة، حيث لا يزال كثير من النساء يلجأن إليها، وتكمن الخطورة في حال فشلها أنها تتسبب في تشوهات والتهابات متكررة، مما دفع بهؤلاء اللاتي يقعن ضحية لمثل هذه الحقن إلى عدم مغادرة منازلهن بسبب تشوه أشكالهن. وأحيانا تؤدي للوفاة أيضا.



ولكن الدرس المستفاد أن الابتكار غير كثيرا من المعطيات والمحددات لنمط الحياة، وما كان مستحيلا بالأمس أصبح ممكنا اليوم، وبات اليوم من يملك أدوات الابتكار يمكنه أن يفتح أسواقا متعددة وعالمية، ولم يعد الابتكار هواية أو ميولا تمارس من حين إلى آخر، بل الابتكار اليوم علم ونظام إدارة، وبرامج تدريبية وتأهيلية وأكاديمية تخصصية تعد المتخصصين والمهنيين، وبالتالي قد يصلح العطار ما أفسده الدهر، إذا تعلم ومارس الابتكار بمهنية واحترافية.

ختاما: هل يصلح (الابتكار) ما أفسد الدهر؟!



قد يصلح ويعيد إليه نضارة ما أبلته السنون، ولكن التوسع بدون وجود حاجة حقيقية قد يكون ثمنه فادحا من أموال وصحة وعافية!