منى عبدالفتاح

في مقامات العام الجديد

الأربعاء - 04 يناير 2017

Wed - 04 Jan 2017

كغيرنا من سكان كوكب الأرض نستبشر خيرا بالعام الجديد، ولكن حالتنا تختلف في جزئية الصراع بين الأمل والحزن المخيم على حال المنطقة. نستقبل العام الجديد كفرصة جديدة تمكننا من ترك كل الأحزان وراءنا واستبدال الحال بأحسن منه ما لم يرحل معنا العام الماضي بثقل آلامه. يحتفل عالمنا العربي ببداية العام الجديد، ولكنه ومن وسط الأجواء الاحتفالية يتحسس مواقع الفرح والحزن في ذاكرته البعيدة والقريبة وفيما حوله، إذ كيف سيتعامل مع هذه المشاعر والمناسبات المتجددة ككثير من سنن الحياة، والأرض لن تكون ذات الأرض والهواء ستصده حواجز الحدود عن أن يتمدد في اتساع اعتاد عليه والمساحة ليست ذات المساحة، والوطن سيضحي بعد حين بقعة من اللامكان واللازمان.



هذا ما يجعل الشخص يحدق مليا في فواصل كينونة الزمن، محاولا انتشال يوم واحد من واسطة الأيام السبعة. والتي يمكن بها رهن الأيام لذكرى الوقت بحثا عن آمال غير متحققة وأخرى عند الإشارة تنتظر. ما نحتاجه زمن لا يحيلنا إلى ساحة لا نحس فضاء رحابها، زمن لا يجاهد في سكرة موتته وهو يبحث عنا، زمن كامل وليس بقايا زمان يغمرنا بملح الأحزان، ولا يفضح تاريخا عاريا ولا إشراق أيام تحتضر، ولا يتربص بضعفنا وخذلاننا. زمن لا يعرف إلا انبلاج الصباح الأمل، يضيء مملكة الحضور، وشمسه المختومة على جبين الانتظار لا تغيب وإن غاب الأثير.



هذا الوقت الذي يمكن أن نسرجه أياما كي نصل، تحملنا أيام متجددة في إسرائها على ظهر زمن الفناء، ولشد ما نتوق إلى عروج طريقها السماوية إلا أنها تختار شقوق الأرض المعجونة طينا وماء.

وهذا عام ودعنا قبله أعواما بنفس الأحداث التي تحوم الآن من حولنا، نزاع على سطح الأرض، ولادة متعسرة لديمقراطيات مشوهة أخذت أكثر من وقتها الطبيعي في ثورات الربيع العربي وما زالت تصارع من أجل البقاء في نفس حالة الثورة. أعاصير وفيضانات سياسية واقتصادية، أعمال عنف في كل مكان، نيران سوريا المتقدة وفظائع هجوم هنا وهناك.



لو سلمنا بالرضوخ لمقام الحزن فنحن مرغمون على أن نتجرع المر لعيشنا في واقع أمر. ومقام البكائيات التي اختارتنا وأدمناها تتوالى سراعا لتصبح تاريخا أسود نحكي عنه دون مؤاخذة للضمير. بقع كثيرة سوداء تلطخ جبين هذا الواقع الذي نعيشه، وبقعة الزمن الحاسمة التي لن ترجع إلى الوراء ثانية تمثلت في كينونة التقويم.



المقام مقام تفاؤل وأمل ولكننا مجبرون على حمل هذه الأثقال على أكتافنا وترحيلها معنا للعام الجديد. وإن نحزن فهذا خير من أن نكابر ادعاء باتخاذ مواقف بطولية للسمو فوق الأحزان، فلنعش اللحظة كما هي صادقة غير مزيفة وغير محاطة بأوهام تجميل القبيح الذي يفرض علينا أو نصنعه بأيدينا.



ودعنا عاما وأتى آخر، ونحن كما نحن نتخذ مكانا متقدما في قائمة التمني. تمر الأعوام وتتدفق الأمنيات مدرارا بين الناس. هذا ما نقوله كل عام، ويستسهل استعادة ما جال في خاطر العام الماضي بكل حذافيره، كيف لا والأحداث هي ذات الأحداث وكأنها بنت الساعة واللحظة. نستقبل العام الجديد وتتراءى في الأفق رائعة الشاعر السوداني محمد عبدالله شمو والتي تغنى بها الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد (بين مريم الأخرى والمجدلية):



«ها هي الأرض تغطت بالتعب

البحار اتخذت شكل الفراغ

وأنا مقياس رسم.. للتواصل والرحيل

وأنا الآن الترقب.. وانتظار المستحيل

أنجبتني مريم الأخرى

قطارا وحقيبة

أرضعتني مريم الأخرى

قوافي ثم أهدتني المنافي

هكذا قد خبروني ثم قالوا لي ترجل».



[email protected]