وحيد الغامدي

معرض الكتاب على خارطة المستقبل

الاثنين - 26 ديسمبر 2016

Mon - 26 Dec 2016

وانقضى معرض جدة الدولي للكتاب، لكن الكثير من الأسئلة ستظل مفتوحة لحين حسمها، إن كان عبر الإرادة أو عبر الزمن. السؤال الأبرز الذي يفترض بنا النقاش حوله هو تلك المعايير التي من خلالها يتم السماح بالكتاب من عدمه!



إن فلسفة التحول الوطني – كما فهمناها – لا تعني التخلي عن الثوابت القيمية للمجتمع والدولة، ولكن أيضا تعني التماهي مع ظروف العصر ومتغيراته الملحة والتي تفرض إلحاحها مع تقدم الأيام. وبالتالي إحداث مرونة فاعلة مع الفهم الجديد لزمن جديد أصبح لا يحتمل الكثير من التأخر لمواكبة ما يجري حولنا على الأقل.



كيف يمكنني أن أفهم أن كتابا ما غير مسموح به طوال العام سوى في أيام معدودات، وأن علي أن أدخر من مالي لهذه الأيام دون سواها من باقي أيام السنة، كما أن علي أن أسافر – فقط – في هذه الأيام من السنة من أقاصي مدن المملكة للحضور إلى موقع المعرض لاغتنام فرصة الحصول على الكتاب الذي لا يجتاز تلك المعايير إلا موقتا في أيام معدودات؟



في معرض الرياض العام الماضي تم إغلاق بوابات المعرض في وجه الكثير من الزوار؛ وذلك لامتلاء الطاقة الاستيعابية لممرات المعرض بالكامل. إن هذا الازدحام يدعو للبهجة والتفاؤل، ولكنه خارج السياق الطبيعي لمفهوم الازدحام من أجل الكتاب، ولم يكن ليحدث لو أن الكتاب متاح طوال العام، إلا أنه يعكس حقيقة القارئ السعودي وسقفه الذي يتطلع إليه، وأن وعيه قد تجاوز كثيرا تلك المعايير التقليدية في إجازة الكتب أو منعها، وبالتالي فإن مفاهيم التحول يجب أن تحضر هنا بشكل فاعل لتواكب ما استجد على خارطة الوعي.



الاهتمام بالفكر يعكس مدى جدية الرغبة في الوثب الحضاري والتنموي، الفكر الإنساني هو العنصر الأول في بناء نهضة ناضجة ومستمرة، وأجد أن السير نحو طموحات التحول 2020 وآمال الرؤية 2030 يجب أن تجاريه ثقافة جديدة في معايير التحفظ والتحوط، وتضييق تلك المعايير أكثر من أي وقت مضى، والانفتاح نحو التصالح مع الوعي الجديد للقارئ المحلي الذي هجر المكتبات ودور النشر الوطنية التي فقد الثقة بها وبعناوينها المثلجة التي لا تقدح شرارة الفكر والتفكير كما تفعل الدور الوافدة.



أن تعد جيلا قارئا مفكرا فهذا يعني إعدادك مستقبلا مشرقا لبنية تحتية مرنة لكل مشاريع التحول الوثابة والطموحة، يعني أيضا إعدادك جيلا لا يصغي للشائعات، ويفهم جيدا جغرافيته الوجودية، والأخطار المحدقة به، كما يعي بمهارة مفاهيم المواطنة الحقة التي لا تتأثر بالمؤشر الاقتصادي انخفاضا وارتفاعا، بل ترتبط بالمعنى الأشمل والأعمق للوطن كأيقونة وجدانية ثابتة وسط هذا الموج المتلاطم من الأحداث والتغييرات.



منظومة الممانعة والتحفظ، سواء الرسمية أم الدينية، تدرك جيدا حقيقة انفتاح الفضاء لكل أنواع الكتب غثها وسمينها وجيدها ورديئها، ولكن هناك ما يشبه اليقين بأن الغاية هي منع ما يتلقى بشكله المعلن ولا يهم ما يتلقى بشكله المخفي والفردي عبر الانترنت أو الفضائيات. هذا الازدواج يتصور أنه لن يفسد وقار المشهد العام الذي تم رسمه وفق معايير معينة. هذا التصور نفسه يجب أن يتطور ويتماهى مع مفاهيم التحول التي يجب أن تنفذ هي الأخرى إلى جوهر القيم المتبعة في إرساء تلك المعايير التي تفرز المنتجات المتلقاة والعابرة إلى الوعي، دون الحاجة لتلك الازدواجية.



أخيرا.. أشيد بالسقف الجميل للعناوين الجاذبة، والذي وجدته هذا العام في معرض جدة للكتاب، ولكن محور المقال هو تعميم هذا السقف ليكون واقعا معاشا طوال السنة، وليس فقط أياما معدودات.



[email protected]