تاريخ موجز للزمن

السبت - 24 ديسمبر 2016

Sat - 24 Dec 2016

شد انتباهي في نهاية الثمانينات الميلادية الضجيج الإعلامي والعلمي الذي رافق صدور الكتاب الأول لعالم الفيزياء الرياضية البروفيسور البريطاني ستيفن هوكنج، من مواليد إكسفورد 1942، بعنوان (تاريخ موجز للزمن) والذي ترجم إلى معظم لغات العالم، واعترف أني حين قرأته بلغته الأصيلة لم أتمكن من استيعابه، برغم أن الناشر بذل في إعادة صياغته جهدا كبيرا لتسهيل قراءته وفهمه من غير المتخصصين وغير الناطقين باللغة الإنجليزية أمثالي.



وكان لاختيار العنوان دور في رواج الكتاب، وكان ذلك اقتراح الناشر الذي سعى كذلك إلى تخفيف النبرة الأكاديمية وتقليل المعادلات الرياضية التي وردت في النص الأصلي من البروفيسور البريطاني البارز ستيفن هوكنج الذي تم اختياره آنذاك عضوا في الجمعية العلمية الملكية، وكان يومها أصغر أعضائها سنا، كما ترأس قسم الفيزياء الرياضية في جامعة كامبريدج، المركز الذي سبقه إليه العالم إسحق نيوتن.



وحظي الكتاب عندما نشر على رواج قلما سبقه إليه كتاب علمي، نظرا لمكانة مؤلفه العلمية، وكذلك التعاطف العام مع حالته الصحية، حيث أصيب في العشرينات من عمره بمرض نادر، شخصه الطبيب بأنه سيودي بحياته خلال بضع سنوات.



وحاول هوكنج أن يشرح من خلال نظريته ووجهة نظره معضلة (لغز الوجود)، الأمر الذي أزعج الكنيسة، واقترحت عليه عدم التوغل في هذا البحث والكف عن التبحر فيه، الأمر الذي طار بصيته، وتلقى بعدها العديد من الدعوات للمؤتمرات والمحاضرات العلمية.

وفي كتابه الشهير هذا يتكلم عن:

1 النظريات في تفسير نشأة الكون

2 مفهوم الزمن

3 تمدد الكون

4 التنبؤ بالثقوب السوداء

بالإضافة إلى إصراره على العمل في مجاله الفلكي حيث ظهر له بعد ذلك العديد من الأبحاث المميزة عن الكون والمادة تناولت الإجابات عن بعض الأسئلة الكبرى من خلال أبحاثه العلمية التي شغلت معظم الجامعات والهيئات المتخصصة في مجال الفلك والفضاء بما فيه من كواكب ونجوم وشموس وأجرام وأقمار، وله من المؤلفات والأبحاث الكثير، منها: الثقوب السوداء ثم الانفجار العظيم.



وكان آخر كتبه التي تجاوزت الأسئلة الفلسفية إلى الأسئلة العلمية كتابه (التصميم العظيم)، حيث استفاض في شرح نظريته (نظرية كل شيء) كما أسماها في الكتاب الذي شارك في أبحاثه وتأليفه زميله في التخصص عالم الفيزياء الأمريكي ليونارد مولدينوو والذي صدر في عام 2010م.



وفي هذا الكتاب يقدم ستيفن هوكنج وليونارد مولدينوو أحدث الأفكار العلمية عن ألغاز الكون المستمرة، فيشرحان الإجابات التي فرضتها الاكتشافات والنظريات العلمية منذ أينشتاين إلى فيزياء الكم إلى النظرية م فالصورة الكلاسيكية عن حركة الأجسام، لا يمكنها تفسير ما يبدو سلوكا عجيبا على المستويات الذرية وما دون الذرية فكان ضروريا وجود إطار مختلف عن فيزياء الكم، لكن هذه الفيزياء تقوم على مفاهيم مختلفة جدا عن الواقع كما نفهمه أو نراه والنظرية (م) تقدم تفسيرا للقوانين التي تحكم كوننا والتي كان يبحث عنها أينشتاين والتي إن ثبتت ستمثل إنجازا عظيما للفكر الإنساني.

ترجم الكتاب ونشر بالعربية من دار التنوير التي أثرت المكتبة العربية بكثير من مؤلفات العلوم والآداب العالمية.



ولقد قام الدكتور حسن بن أحمد اللواتي في عام 2014 من جامعة السلطان قابوس في عمان بتقديم قراءة نقدية للكتاب بعنوان (المصمم الأعظم)، مؤكدا أن خلف كل تصميم عظيم مصمما أعظم، وشاركه في التعليق والمراجعة العلمية الدكتور مظاهر العجمي أستاذ مساعد بقسم الفيزياء - كلية العلوم - جامعة السلطان قابوس.



وتعتبر حياة ستيفن هوكنج من المعجزات الربانية، حيث أخبره طبيبه أنه سيموت خلال أعوام، وكان في منتصف العشرينات، لكنه عاش حياة حافلة على المستويين الشخصي والمهني، كما عبر عن ذلك في مذكراته التي أسماها (تاريخ موجز لزمني)، حيث ذكر (ساخرا) مرضه الذي أفقده النطق والحركة.

وبرغم ذلك فلقد تزوج مرتين، وأنجب أبناء أصحاء ناجحين، وقدم للعلم أبحاثا ومؤلفات تجاوزت في توزيعها عشرات الملايين من النسخ باللغات كلها حتى أصبح البعض يتباهون بحصولهم على نسخة من كتبه، ويضعونها على مرأى من زوارهم في مكاتبهم أو بيوتهم.



ويعيش اليوم وحيدا بعد أن هجرته زوجتاه الأولى والثانية، وبعد أن تقاعد من الجامعة متنقلا بين مدن العالم وجامعاته ومؤتمراته العلمية معتمدا على الكمبيوتر في الكتابة، وعلى جهاز النطق في الكلام، متحمسا للعلم وقد تجاوز السبعين برغم معاناته الصحية وعدم قدرته على الحركة أو الكلام.

وإن كنت أشعر بكثير من الإشفاق على هذا العالم الفذ ليس بسبب مرضه ولكن بسبب إصراره بعد كل هذا النبوغ على الشك والاستمرار فيه والاعتقاد أن نشوء الكون قد يكون صدفة، وهذا مذهب الكثير اليوم من علماء الغرب الذين يؤلهون العلم ليس إلا.



وكم أسعدني وجود كتاب مثل (المصمم الأعظم) الذي وضعه لنا الدكتور حسن اللواتي والذي عالج ثغرات التصميم العظيم من الجانب العقائدي، وجانب الفلسفة الإنسانية في محاولة ليضع أيدينا على حلقة الوصل بين عقل الإنسان وقلبه، وبين قانون العلم وضمير الإنسان.

وما زلت أشعر أن قراءة الكتاب الأول الأساسي (تاريخ موجز للزمن) تتطلب جهدا وجلدا وخلفية علمية برغم التخفيف الذي بذله الناشر، ولكنه يبقى كتابا رائعا ساعدني في فهم بعضه مشاهدتي للفيلم الذي عرض مؤخرا (قبل عامين) بعنوان: نظرية كل شيء.



ولقد أعلن ستيفن هوكنج مؤخرا وبعد بلوغه الرابعة والسبعين عن مشروعه الثوري العلمي الجديد الذي لم تعرف البشرية له مثيلا، وهو بتمويل الملياردير الروسي يوري ميلز، أنه يسعى لاكتشاف الكواكب والأجرام السماوية البعيدة لمعرفة ما إذا كانت هناك حياة أخرى في الكون، من خلال إطلاق مركبة فضائية صغيرة تبلغ سرعتها 209 ملايين كيلو متر في الساعة، ومدة المشروع عشرون عاما.



وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا العالم الذي يحذر من خطورة التعامل من الكائنات الأخرى التي قد تغزو كوكبنا وتحيلنا جميعا إلى هنود حمر، فإنه يبقى مثال الطموح والعمل الدؤوب.

وختاما، أعجبتني مقولته التي يكررها في مؤتمراته (انظروا إلى النجوم ولا تنظروا إلى أقدامكم).