عبدالعزيز الخضر

ما هو التطبيل؟

السبت - 24 ديسمبر 2016

Sat - 24 Dec 2016

لا أرتاح لهذا الوصف المتداول بين مختلف فئات المجتمع وفي مجتمعات عربية أخرى، فهو بحاجة إلى تحرير بعد أن احتل صورة محددة بالأذهان للسخرية وعدم الرضا عن نوع من خطاب المديح، وأصبح وصفا مبتذلا. لم ينتشر هذا المصطلح بهذه الصورة إلا بعد مرحلة الانترنت بكل تطوراتها، ولهذا تجد الكثير من الصور المعبرة عنه بكاريكاتيرات الصحف في السنوات الأخيرة برسم الطبول، يفهم معناها الصغار والكبار، وتحشر هذه الكلمة في التغريدات ومقاطع اليوتيوب والنكت والتعليقات والصراعات السجالية، وقد كانت يوما من الأيام محصورة التداول بين شرائح نضالية لمواجهة وتقزيم دور المثقف أو الإعلامي الرسمي باعتباره مجرد «مطبل»، وبأن عمله ووظيفته هي فقط الثناء والمديح.



هذا الوصف عليه تحفظات حتى في ظل استعماله النخبوي القديم عند المهتمين بنقد الشأن العام، لكنه اليوم انساب على ألسنة الجمهور بصورة هلامية مما أفقده حتى قيمته التشويهية التي نشأ من أجلها، فمع موجة نقد الفساد في القطاعين العام والخاص خلال العشر سنوات الأخيرة، في المقالات وخطاب النت، كثيرا ما يشار إلى دور الخطاب التطبيلي «وكله تمام» «وأن العمل يسير على أحسن ما يرام»، وبأن الترقيات الوظيفية تكون أقرب عادة لهذه الفئة. بمرور الوقت انتقل وصف التطبيل إلى مجالات عديدة، فلم يعد محصورا بجانبه النضالي كما كان في عقود قديمة، بحيث تخدش هذه الكلمة قيمة نخب وطنية كبيرة خدمت الوطن، لأن خطابهم الثقافي أو الإعلامي لم يأت وفق مواصفاتهم التي ينظرون بها للأمور في حينها.



لقد تحول هذا الوصف لأشياء عادية، كمدح رئيس ناد رياضي أو مدرب كرة قدم لا ترضى عنه شريحة أخرى من الجمهور. إن لجوءك السريع إلى تعبير «مطبل» كشتيمة عند من يطرح رأيا لا يعجبك، هو مؤشر على ضعف أدواتك في فضح تهافت الرأي الذي تنتقده. ويتضايق البعض من هذا المصطلح بدعوى أنه لا يأخذ راحته في مدح المنجزات الوطنية، وهو وهم غير حقيقي، فالمشكلة فيه وليست في المدح، فلماذا لم تظهر المشكلة عند نخب وطنية أخرى عندما كانوا يمدحون المنجزات أو يشيدون بنجاح معين، لأن الشخص ليس معزولا عن تاريخه وسيرته الذاتية، فلثنائهم قيمة أكبر لأن مصداقيتهم أعلى، ولهذا نلاحظ بقاء شعبية نخب وتكنوقراط ومثقفين منذ الستينات وبقاء الرمزية الدينية لبعض المشايخ الرسميين واحتراق غيرهم.



تاريخيا هذه الحساسية ليست موجودة عند مدح الوطن ومنجزاته في مناسبات عديدة، حيث يشارك فيها كثيرون، وليست حاضرة عند مدح الرموز السياسية الكبيرة، وليست حاضرة عندما يتحدث متخصص في مجاله ويتكلم عن نوعية النجاح الذي حدث في مجال اقتصادي أو صناعي أو تعليمي معين، لكن عندما يمدح البعض أشياء لا يفهم فيها كما نشاهد اليوم، وليس عنده مؤهل إلا عدد متابعين نتيجة دوامه اليومي في تويتر، فإنه يكون مثار سخرية ويفهم بأن مدحه يأتي في سياق مواهبه في بيع الكلام.



وإسراف البعض في وصف أي خطاب وطني يشيد بأي منجز بأنه «تطبيل» لا يعني أنه لا توجد فئة ينطبق عليها مفهوم التطبيل فعلا، بسبب أنها تتكلف البروز في حفلات الإشادة لمجالات أصلا لا تفهم فيها، وإنما في سياق الترزز الإعلامي المتكرر، لدرجة أن الجمهور يعرف مسبقا ماذا سيقول من الغد، وحفظ الكلام والجمل التي يكررها، فهذا النموذج يؤمن بأنه لا وصول إلى طموحاته إلا بهذا الطرح، في أي بيئة عمل صغيرة أو كبيرة، واشتهر له وصف اجتماعي آخر قديما في الفضاء البيروقراطي.. بأنه «الوصولي»، كأحد مظاهر الفساد الإداري.



وليس صحيحا بأن أي مدح هو «تطبيل» فمتى توجد شبهة التطبيل ومتى لا توجد؟ إن أهم سماته عندما يكون المديح له فائدة مباشرة تعود على المادح، فلو أنك مدحت عمل وزير سويدي أو نرويجي هنا في مقال أو تغريدة فإن الشبهة ليست حاضرة ولا متخيلة، لأنه لا توجد منفعة مباشرة من مدحه، وإنما هو مجرد إعجاب بعمل أو فكرة، لكن لو أنك مدحت وزيرك أو مديرك بالعمل في الإعلام فإن المنفعة هنا تكون حاضرة في ذهن المتلقي، وسيعتبر كلامك نوعا من النفاق الوظيفي، ولو مدحت مثقفا مهمشا أو إنجاز معلم في مدرسة نائية أو مسؤول في وزارة ليس لك علاقة عمل بها فإن شبهة التطبيل لا معنى لها، وأخيرا حتى مع وجود شبهة المنفعة أحيانا.. فإن هذا يجب ألا يمنعك من الإشادة بالإنجازات الحقيقية لأي جهة رسمية أو غير رسمية، لكن تذكر أن ليس لها قيمة كشهادة يحتاجها الوطن إلا من خلال سيرتك ومصداقيتك في سجالات الوطن وهموم التنمية.



[email protected]