منى عبدالفتاح

الإيثار يبدأ من هنا!

الأربعاء - 21 ديسمبر 2016

Wed - 21 Dec 2016

«الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة»، هذا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأساس لبذرة إنسانية أصيلة. بعض المجتمعات خيرة بطبعها، فيها من يمارس فعل الخير بشكل فردي وبسيط، وفيها من يمارسه بشكل جماعي في الأفراح والأتراح بأشكال مادية وعينية، تتنوع بتنوع تلك المناسبات، مما يدل على أن ثقافة فعل الخير في ثوبها الرسالي ضاربة بجذورها في الخلفية الأخلاقية الإنسانية بمعناها الشامل. إن المقدرة على فعل الخير أساسها سماحة النفس واستعدادها لمساعدة الآخرين.



هذا المعنى له قاعدة راسخة في مجمل مكارم الأخلاق والتي يعتبر الإيثار من ضمنها، فبحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره بأمور عديدة، مثل بغض الشح والبخل وذلك بالتعود على الجود، ورعاية الحقوق حق رعايتها والرغبة في الجزاء على الأعمال الطيبة في الآخرة وتعويد النفس على تحمل الشدائد والصعاب.



إن سمة الإيثار متعلقة بسمات كثيرة أخرى مثل سعة الصدر والرأفة بالناس والبعد عن الكبر وترك الغل وصفاء السريرة، وأكثر شيء هي متعلقة بمشاعر الحب والولاء وهي المحفز على الإيثار. تلك المشاعر النبيلة التي يتم بين الحين والآخر إثبات وجودها، برع الشعراء بخيالهم في الاحتفاء بهذه العاطفة، أما وقد ظهرت دراسات حديثة مؤخرا تم إجراؤها على أدمغة بعض المتطوعين أثبتت أن الحب موجود في الدماغ وليس القلب، وأن الدماغ يطلق ردود فعل كيميائية تؤدي إلى تنشيط الشعور بالقرب من الآخر وإيثاره على نفسه. هذه الإشارات صنفتها الدراسة على أنها هي نفسها التي تحافظ على توهج العاطفة لزمن طويل، فإن ذلك يجعل الحديث عن فتور العاطفة وذبولها إنما لأسباب أخرى مرتبطة بالظروف المحيطة أكثر من ارتباطها بالعاطفة النبيلة وطرفيها.



بدءا من المجتمع الكبير، فإنه لا تتوفر الطمأنينة والأمان والاستقرار إلا في مجتمعات يتوفر فيها الإيثار. وقد قسم العلماء الإيثار إلى مراتب ودرجات هي: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا، يعني أن تقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدين، وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدا.



يبدأ الإيثار منذ الصغر، فإشاعته بين الأبناء واجب على الآباء وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديا وأنانيا لا هم له إلا نفسه. ثم إن تربيتهم على تلك الخصال تقضي على كثير من المشكلات التي تحدث داخل البيوت. فإذا بنينا أساس تعامل الأبناء على المؤاثرة، وإذا لاحظناهم يؤثرون بعضهم بعضا فيجب الثناء عليهم ومكافأتهم، حتى ولو كان الأمر صغيرا. إن هذا الإيثار الطوعي والتعاطف الاجتماعي، يتجلى في أخلاق الناس.



إن أعظم الإيثار في هذه الدنيا هو أن تؤثر مرضاة الله على مرضاة الناس، وأن تؤثر رضا الله على رضا من سواه، وأن تؤثر رضا الله على هوى نفسك، قال تعالى «من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». ولأن الحياة قصيرة فيجب ألا نعيش لأنفسنا فقط، فتفكير الإنسان في نفسه فقط يجعله صغيرا، ولكي يعيش الإنسان كبيرا وتمتد حياته بامتداد البشرية فلا بد أن يعيش لغيره كما يعيش لنفسه. ليجد سعادته في سعادة الآخرين وفرصته في فرصهم وبسمته في ابتسامتهم.



[email protected]