رهام فراش

لماذا يسافر السعوديون إلى دبي؟!

السبت - 17 ديسمبر 2016

Sat - 17 Dec 2016

سؤال يطرح نفسه ويستلزم الرد عليه بمنتهى الشفافية، لأن الجواب سيكون بمثابة خارطة طريق للفترة الحالية والمقبلة التي يصفها البعض بالتذبذب الاقتصادي؟! وحتما الاجتماعي والنفسي لأنها جميعا حلقة تتبع بعضها.



لن أبالغ أو أجانب الصواب إن قلت إن سفرنا لدبي يتكرر مرتين وأربع وست مرات وأحيانا أكثر خلال العام، ما بين عمل وترفيه وزيارة وسياحة واستجمام وأحيانا بدون سبب يذكر سوى شم النسيم وإعادة شحن الطاقة.



رحلة دبي يا سادة لم تعد تحتاج لجدولة ولا حجز مسبق قبل فترة، ولا أن تودع فيها أهلك أو حتى تأخذ معك شنطة للشحن، ولا تصرف عملة للبلد المسافر إليه لأنك ببطاقة الفيزا تستطيع أن تعيش وتتنقل من محطة البنزين للتاكسي والتسوق وكل شيء ولم تعد تحتاج لحمل الكاش في دبي، ولا حتى لحمل جواز سفرك، هي رحلة داخلية خارجية فعلية فنتازية!



هذه الحدود المعنوية الجغرافية التي ذابت بين السعوديين ودبي خلال السنوات الأخيرة حصلت دون وعي، حين شعروا أنها وطنهم المثالي الذي يعيشونه في أحلام يقظتهم عندما يسافرون إليه، فيصحون من نومهم على صدمة «الباص الرقاص» ليعرفوا أنهم عائدون من دبي إلى مكان آخر جميل لولا أن له خصوصية مزعومة منعته من التجمل والتزركش والابتسام بعض الشيء!



ومخلصون وهبوه أرواحهم لكنهم ضلوا الطريق وظنوا أن آبار النفط وحدها هي الكفيلة برغد العيش الوهمي.



كثير منا أصبح له معارف أقرباء وأصدقاء نقلوا تجارتهم وأعمالهم الخاصة إلى هناك، هربا من بيروقراطية شنيعة أعاقت طموحهم ووقفت عائقا أمام تنفيذ أحلامهم البسيطة في وطنهم، أغرتهم الشعارات الرنانة عن دعم المشاريع الصغيرة، وأنه على أكتافهم سينهض اقتصاد الوطن وسيتحولون من واقفين في طابور البطالة إلى صانعين لوظائف!



لكن الحلم شيء والواقع شيء آخر.



إلا أن بعض التجارب الناجحة القليلة التي خدمها الحظ مع قليل من الخبرة والمثابرة تمكنت من عبور النفق المظلم، وحققت نجاحات هتف بها المجتمع وصدرها في الواجهة لتكون قدوة لمن أراد أن يحتذي بها.



فشاهدنا أصحاب هذه التجارب على المنصات اعتلوا المسارح يروون قصصا عن كفاحهم الذي أوقظ شعلة الحماس لدى أقرانهم، وصدم الآخرين وجعلهم على يقين أن هذا الطريق لا يشبههم فهم لا يملكون الأدوات نفسها، ولا المعطيات التي توفرت لأولئك، فاكتفوا بالتصفيق وعادوا عبيدا متشبثين برواتبهم نهاية كل شهر.



سائلين المولى ألا تشملهم خطط خفض النفقات التي يقررها القطاع الخاص دون سابق إنذار فيجدون أنفسهم صفر اليدين.



أما من اعتدوا بشعار الأمان الوظيفي الحكومي، سلموا أنفسهم لرتابة الروتين وانعدام التطور، والرتابة والإنجاز الضئيل، مستمتعين بإجازات لا عد ولا حصر لها، وحجتهم أننا جزء من الكل وأن هذا هو الوضع الطبيعي.



بالتأكيد إلا من رحم ربي من كان له نفس مخلصة وروح تواقة وأراد أن يصنع تغييرا أو يستحق بأمانه ما ينزل كل نهاية شهر في حسابه البنكي.



وصنف آخر ممن هاجر لدبي حصل على وظائف لأنه كفاءة لم يجد من يفتح له الباب في بلده ليكون رقما صعبا في إدارات تعترف فقط بكفاءة الأجنبي.



والآخر فتح مكاتب للاستشارات والتدريب في سوق مفتوح ومتعطش للتطوير في كل شيء، وعدد لا بأس به يدرسون في الجامعات الحكومية والخاصة سواء عبر برامج المنح والابتعاث أو على حسابهم الخاص، وصنف أخير خطير «عقول عبقرية» قدمت حلولا لمشاكل بيئية وتقنية لجهات حكومية، فوجدت آذانا مصغية وعقولا واعية وأبوابا مفتوحة تنشد التغيير الإيجابي في وطن ملك للجميع بلا عنصريه مقيتة ولا تحجيم للقدرات على حسابات القرابة والمعرفة والواسطة التي تضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، ليأخذ مكان الأجدر والأنفع.



فأصبح يزورهم أهلهم وأصدقاؤهم بين حين وآخر لضرب عصفورين بحجر، قضاء وقت مستقطع في دبي، والتنعم بخيراتها المتنوعة، كبستان فيه ما لذ وطاب من المتع حسبما يشتهي ذوق ومزاج كل شخص، وفي الوقت نفسه زيارة عائلية أو لصديق.