أسامة يماني

القوة المخادعة

السبت - 17 ديسمبر 2016

Sat - 17 Dec 2016

هناك دروس كثيرة يمكن استخلاصها من قصة خسارة ستيف جوبز الصراع على سلطة مجلس إدارة شركة أبل عام 1985، واستلام جون سكالي لرئاسة مجلس إدارة أكبر شركة تقنية وصلت مبيعاتها عام 1976 إلى ما يزيد عن مليار وتسعمائة ألف دولار، ورغم انتصار سكالي على جوبز الذي استقدمه من ببسي كولا إلى شركته إلا أنه انقلب عليه وتم فصل جوبز من الشركة إلى أن عاد إليها بعد فشل سكالي الذي دخل في صراعات مع الشركات الأخرى بدلا من التركيز على السوق والإبداع.



لقد خدع المنصب وقوة الشركة وأرباحها جون سكالي فلم يعد يركز على عوامل القوة التي هي الأساس لنجاح وقوة الشركة التي يرأسها.



هذه القصة تصدق وتنطبق دائما على كثير من حالات الفشل بعد النجاح، وذلك راجع لعدم تقدير المسؤول لعوامل قوته في أنها تكمن في الأشياء التي حوله، والتوقيت أو الوقت المناسب والناس المحيطين، وغيرها من عوامل النجاح التي لا يقدرها المسؤول حق قدرها، مما يؤدي للفشل بعد النجاح، وكما يصدق هذا الأمر على الشركات والمؤسسات، بل والحكومات، أيضا يصدق على المستويات الأقل كالعائلة والدكان والمحلات التجارية.



العبر المستخلصة من هذه السيرة ألخصها فيما يلي:



1- لا تفرط في من حولك لمجرد الاختلاف معهم، ولا توصل الخلاف إلى شكل يجعل الآخر يقرر أنه لا يرغب في البقاء معك. لقد وصل الخلاف بين ستيف جوبز وجون سكالي إلى مستوى قرر فيه ستيف أن يختار مجلس الإدارة بينه وبين سكالي. في كثير من الأحيان يستخف البعض بمن حولهم وبما حققوه من نجاح لمجرد الاختلاف في تناول موضوع معين. وقد يصل الحال للفراق نتيجة هذا الاختلاف فتتفكك الأسر وتنهار الشركات، وأما على صعيد الدول فإن هذا الخلاف يأتي على حساب التنمية والتطوير والازدهار.



2- عدم الانشغال بالأمور الثانوية وترك العناصر الجوهرية، ففي هذه القصة انشغل سكالي عن التركيز على الإبداع والتطوير والإنتاج والسوق المتعطشة للتطوير بمحاربة الخصوم، وذلك بالدخول في قضايا أمام المحاكم مكلفة سواء من جهة الوقت أو المال والجهد، ومسببة للتشتيت والضياع وعدم التركيز على الهدف الأساسي. النجاح لا يتأتى في محاربة المنافس وإنما في الالتزام بالمنافسة الشريفة بالتركيز على العمل والإنتاج.



3- القوة ليس في أن تكون الرجل الأول، وإنما القوة في أن تحافظ على جميع ما تم تحقيقه من قبل والبناء عليه وتطويره. كثير من الصناعات التي كانت مزدهرة أصبحت نسيا منسيا لأنها لم تهتم بالتطوير، وهناك العديد من الأمثلة وأقربها شركة نوكيا وشركة كوداك اللتان خرجتا من السوق ولم تعودا منافستين فيه. وعلى صعيد الدول نجد كثيرا من الدول التي فقدت ازدهارها وقوتها نتيجة عدم المحافظة على عوامل القوة وتنميتها. ليست القوة أن ترأس شركة ناجحة وإنما القوة تكمن في القدرة على الاستمرار والنمو.



4- الانتصارات الوقتية بالتحالف مع الصغار لا تحقق الأمان وإنما الناجح في معرفة مكامن القوة والمحافظة عليها هو الذي يحقق الأمان، فقد انتصر سكالي وتمكن من إزالة ستيف جوبز عن طريقه بواسطة تحالفه مع باقي مجلس الإدارة، ولكن هذا الانتصار لم يحقق له النجاح. فالدرس المستفاد أن النجاح هو الهدف وليست الانتصارات الشكلية والوهمية وما إلى ذلك.



5- إن الفشل - أو الخسارة - لا يجب أن يحبط الإنسان الناجح، بل يعمل على تجاوزه والتعلم منه، وأخذ الخبرة والدروس لتحقيق النجاح الكبير، وهكذا فعل ستيف جوبز حيث استمر في تحقيق أحلامه وبناء شركات تقنية اندمجت في ما بعد بالشركة التي أسسها أبل.



وهناك الكثير من العبر التي يمكن استخلاصها من سير العظماء والناجحين الذين غيروا التاريخ.



osama.yamani@