ترمومتر الوازع الديني

الخميس - 15 ديسمبر 2016

Thu - 15 Dec 2016

لديك دراسة حول مشكلة مجتمعية ما؟ أو مشكلة فساد – بمختلف أنواعه المؤسساتي أو المالي -، الموضوع لا يستدعي كل هذا التعب والرصد والسهر لتحليل الأمر وتحديد المشكلات ثم اقتراح الحلول.



وفي هذا المقال سنمر مرورا سريعا على الحل الأعظم الذي استهلكناه حتى أصبح مبتذلا لا يلقي له السامع بالا.

إنه (الوازع الديني)، ترمومتر التحليل لكل مشكلة أسمع أو أقرأ عنها لدينا، فإذا ما حصرت المعوقات لشيء ما، فإن الوازع الديني «حمال الأسية» يتلقفها وهو صامت.



ولو قدر لك أيها الوازع الديني أن تتحدث لصرخت في وجوه كل من علقوا فسادهم وأخطاءهم عليك وقلت لهم «لقد أخذتموني شماعة لفسادكم حتى غدوت لا يسمع عني إلا في أسطر ونقولات تبرير وجود فسادكم، فيا لتجنيكم علي».



حقيقة وأنا أبحث في الدول التي نهضت من الحطام ومرت بنا وتجاوزتنا حتى صرنا ننظر إليها بذهول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا، وأبحث عن تجاربها وكيف نجحت في حل هذا الإشكال الرئيس العظيم في الفساد الذي نتعذر به - ضعف الوازع الديني - لم أجد أنهم عملوا ثورة دينية ليخصصوا ثماني ساعات إضافية للمواطنين والمسؤولين في دور العبادة، ولم يكثفوا مناهج الأديان التي يعبدونها في مؤسساتهم التعليمية لمعالجة هذه العلة – ضعف الوازع الديني - المتسبب في كل شيء.



لكنني وجدت أن السبب الرئيس في نجاحهم في نهضتهم وقدرتهم على محاربة الفساد ليبنوا دولهم على أسس سوية، أنهم لم يعلقوا فسادهم على أسباب واهية كما نفعل، فيضيعون الوقت في محاربة ومجابهة سبب صنعوه بأوهامهم، ولا يتجاوز قدرته في إحداث الفساد شيئا يذكر.



بالمناسبة، دول أوروبية وآسيوية لا تعاني فسادا مطلقا بل يعد الفساد فيها حالات شاذة، تجدها تستنفر بكيانها من أصغر مواطن حتى الرئيس ضد هذه الحالة (المستغربة) في مجتمعهم، وتجد أساسا أن نسبة التدين فيها ضعيف جدا، أي إن ترمومتر الوازع الديني الذي نعلق عليه فسادنا وسوءاتنا لا قيمة له عندهم، نظرا لقلة اعتناق الأديان أساسا لديهم، وغياب الدين لم يمنعهم من أن يكونوا نزيهين يتحلون بالشرف الإنساني العظيم.



على الرغم من هذا الزخم الكثيف للخطاب الديني في الأماكن العامة، وهذا الزخم الأكاديمي في مدارسنا لعلوم الدين، لا نزال حتى اليوم نعاني من (ضعف الوازع الديني).!



لا أعلم لماذا لم يمنع غياب الوازع الديني تلك الدول - التي ليس لديها هذه الحياة الدينية المكثفة التي نعيشها - من أن تكون فاسدة جدا؟

الإجابة تحتاج تجردا للحصول عليها، وإن لم نكن كذلك، فلنكتف بالإجابة السابقة: إن غياب الوازع الديني هو سبب مآسينا.