منى عبدالفتاح

حرب السلع ونظرية المؤامرة

الأربعاء - 14 ديسمبر 2016

Wed - 14 Dec 2016

مثل كل الذين يتحاشون التبرير بنظرية المؤامرة، إعمالا للفكر وعدم استسهال الأمور، أحاول مع هذا التيار الذي يلجأ إلى قراءة ما بين السطور، ولكن ماذا لو كانت كثير من الأمور التي تعد كحقائق ناصعة لا تحتاج إلى كثير من هذا التفكير المعقد، بل إن الغوص في أعماقها قد يلهي عن معرفة كنهها.



من بين هذه المسائل قضية البيع والشراء وما يتعلق بها، فمنذ أن عرفت البشرية عمليات البيع، انتعشت الممارسات التجارية في مختلف السلع. وتشير الآثار القديمة المكتشفة منذ آلاف السنين إلى أن إنسان ما قبل التاريخ مارس التجارة، وابتكر الناس منذ القدم شبكات تجارية معقدة. تطورت الحياة، وكان أول تعامل بالنقد سنة 6000 قبل الميلاد، الذي حول الناس إلى عملية البيع المعروفة بدلا عن مقايضتها.

لا شك أن المنافسة بأنواعها الشريفة وغيرها، هي التي طورت من أشكال الحروب بين الشركات المختلفة، طمعا في الكسب السريع، وهو ما يبرر له بعبارة «التجارة شطارة». تدور هذه الأيام حرب على السلع، أو بالأحرى بين الشركات المنتجة والمصنعة وحتى التي تدخل ضمن شبكات التسويق لاسم تجاري ما. يشتد أوار هذه الحرب مع القلق الدائم للمستهلكين فيما يتناولونه ومدى سلامته من الملوثات الكيميائية التي تسبب أمراضا لا برء منها. ويزداد اشتعال هذه الحرب كلما ازداد وعي المستهلك وزادت خياراته، وهو هنا لا يسأل عن عبثية هذه الحروب وأغراضها وإنما يحصر نفسه في همه البسيط وحقه الطبيعي بأن يحصل على سلعة تبقيه على قيد الحياة صحيحا معافى.



وفي الجانب الآخر قد نجد ترويجا غير مسؤول ومجاف لعديد من الحقائق أو الدراسات، تقوده الشركات على غيرها من المنافسين. فمثلا فيديو يظهر الشاي الأخضر ضمن ممنوعات مكتوبة في جدول، يقول المتحدث عن ضيفه إنه طبيب، دون أن يوضح لنا ما هي العلة التي ذهب بسببها إليه وأوصلته إلى منعه من هذا النوع من الشاي بالتحديد بدعوى أنه يؤدي إلى كسل الغدة الدرقية، وبالتالي إلى السمنة حتى ولو امتنع المريض عن الأكل. وفيديو آخر يشكك فيما يتناوله المستهلكون من صنف أرز معين، هل هو أرز حقيقي أم مجرد مسحوق لمادة بلاستيكية. ولأن العقل يتفاعل مع غرائب الأشياء ويستنفر بقية الحواس، فتجد هذه الخزعبلات رواجا أكثر من غيرها من الحقائق. ولا نعلم حتى الآن أن مثل هذه الفيديوهات هل تخرج عن مساءلة هيئة الغذاء والدواء، بما تبثه من تشويش على المستهلكين، مما يؤثر في اختلال السوق وبالتالي على جزء مقدر من الاقتصاد.



أما المستهلك فإن سلوكه تعتريه سلبيات عدة فحتى في ظل وجود قوانين تحميه، فإنه يكون عرضة على الدوام لأمواج الإعلانات الكاذبة والشائعات على حد سواء. ولأنه يعاني من جشع التجار والغش والاحتكار وغيرها من الظواهر السلبية، فقد أصبح ضروريا أن تنتقل قضية حمايته من مجرد مطالبات بقوانين تسنها السلطات، إلى ثقافة سلوكية ينتهجها بوصفه المعني أصلا بالحماية. وهي نفس الضرورة التي جعلته يتعلم كيف يحمي نفسه ليصبح هذا العلم جزءا لا يتجزأ من ثقافته. لم يصل الأمر بالطبع إلى مرحلة دراسة أنواع الغش التجاري والتلاعب بالأسعار، وإنما يفعل ما هو في حدود إمكانياته البسيطة بفهم سلامة المنتجات التي يتناولها أو يستخدمها ووسائل التخزين والحفظ الصحية.



ما يمكن أن يساعد المستهلك على ذلك هو أنه يسعى لاكتساب ثقافة استهلاك ومهارات أوجدتها عنده ضرورة اعتماده على نفسه وتوهانه وسط سيول المحفزات والمنفرات، كما تتدفق عليه المعلومات من كل حدب وصوب. إن ثمة حماية منقوصة لا بد أن تستكمل عبر ظهور مهارة أخرى هي تعميق الوعي بثقافة الحماية الذاتية للمستهلك، لأنها خط الدفاع الأول قبل كل التشريعات المطلوبة.



[email protected]