هوية الحجاز.. سعودية

الأربعاء - 14 ديسمبر 2016

Wed - 14 Dec 2016

في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) هنالك نقاش حاد منذ فترة طويلة حول «هوية الحجاز»، بين تيارين أحدهما يعتبر أنه «أصل» المكون الحجازي ببنيته المجتمعية، بينما أتباع هذا التيار يرون أن التيار الآخر «وافدا»، أما التيار الآخر فيعتبر ذاته أصل المكون الحجازي منذ الأزل، حيث «نزحت» معظم المجموعات البشرية التي حول حواضر الحجاز إليها وبالتالي هم ليسوا مكونا أصيلا.

الملاحظ في هذا النقاش الجدلي، كثرة المعرفات الوهمية التي تنحى بالحوار إلى كيل الشتائم وإن كان بعضها يحمل أسماء أفراد أو أسر معروفة في المملكة، وهذه النقطة بالذات تضع أمامنا عدة احتمالات لأسباب ظهور اختلاط النقاش بالجدل العقيم والشتائم، والذي لم يكن ظاهرا بهذه الحدة لكنه وجد فرصة للظهور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.



ولكي أكون منطقيا، لا بد من القول إن مثل هذا الجدل حول الهوية موجود في كل أنحاء العالم، ولكن غالبية المجتمعات المتعايشة لا تعير المنحى العنصري داخله أي اهتمام، فالفرد الواعي في المجتمع المتحضر يرى الصوت النشاز في النفحة العنصرية النافية للآخر المنبوذة عرفا وقانونا.



وما لفت نظري في الموضوع أن هذا النقاش الحاد حول من يمثل هوية الحجاز غير مطروح في الشارع السعودي الخاص بمنطقة الحجاز، ولكن هنالك ظهور لبوادر ظاهرة «صراع الهويات الصغيرة» التي ربما تمهد لخلق قضية رأي عام تتحول إلى قضية صراع حقيقية، وهذا هو الخطر الحقيقي، حين تنسى الهوية الوطنية الكبرى (السعودية) القادرة على ضم كل الهويات الصغرى تحت ظلالها، ويتم التركيز على الانتماءات الضيقة على حسابها.



لكن تحليل مستقبلية هذا النقاش الحاد يجب أن يأخذ في الحسبان الوضع الإقليمي من حولنا حيث نشهد صراعات وحروب الهويات الصغرى، ولا ننسى أن قضية الطائفية ليست وحدها المطروحة في دول الشرق الأوسط التي ضعفت السلطة المركزية في بعضها، خاصة في سوريا والعراق، وأصبح التمحور حول الهوية الصغرى إلى درجة تفوق حمل السلاح إلى القتل!



لأكون واضحا، على المستوى الشخصي لست مع طرف ضد آخر، وما يهمني في الموضوع كله وحدتنا الوطنية ضد محاولات إذكاء العنصريات في المناطق من خلال قضية الصوت الواحد، ومحاولة فرض اعتبار أن مكونات المجتمع في منطقة كمنطقة الحجاز هو مكون واحد وما عداه دخيل!



معروف أن منطقة الحجاز منذ فجر التاريخ هي أرض هجرات، هاجر إليها النبي إبراهيم عليه السلام، وهاجرت إليها شعوب وقبائل وأفرد وجماعات من شتى بقاع الأرض ولم تلفظ، بل اشتهر أهل منطقة الحجاز عبر القرون بإكرام الضيف وإيفاد الوافد، وتاريخ قريش خير شاهد، فقبول الآخر وتعدد المشارب والاختلاف، هو الإطار العام للمنطقة منذ فجر التاريخ، واحتمالية خلق أرضية للخلاف والصراع المستقبلي يقوم على طمس سمة التعددية وقبول الآخر بمبرر جعل المكون الثقافي مكونا واحدا لا يقبل أي مكونات أخرى وإن اعتبرت ضمن ثقافة المجتمع فعليا، فهذه «الأدلجة» للهويات الصغرى تسهم في تأجيج صراعات شتى قد تنطلق من الوضع العام في منطقتنا، لا يستحقها المجتمع الحجازي الذي هو أحد أهم مكونات الهوية السعودية.