محمد العوفي

جامعات الكلية الواحدة والكليتين!

الاثنين - 12 ديسمبر 2016

Mon - 12 Dec 2016

عدنا مرة أخرى إلى تقاذف كرة البطالة التي كبرت حتى بعد أن وضعت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية استراتيجيتها لمحاصرة البطالة وفق أهداف قصيرة المدى، وأخرى متوسطة المدى، وثالثة طويلة المدى، والتي لم يتحقق أي منها بعد أن قفزت البطالة فوق 12% في الربع الثالث من العام الجاري، ومن الطبيعي أن تحاول كل وزارة أن تلقي باللائمة على الأخرى، وستستمر الحكاية وستتعقد المشكلة وتكبر.



وها هو وزير العمل والتنمية الاجتماعية المعين حديثا الدكتور علي الغفيص، في أول تصريح رسمي يلقي باللوم على الجامعات، ويطالب بخفض القبول الجامعي من90% إلى 50% من خريجي الثانوية العامة لتخفيض نسب البطالة، قبل أن يستدرك ويوضح المتحدث الرسمي للوزارة الزميل خالد أبا الخيل أن ما يقصده الوزير هو تخفيض القبول بالتخصصات النظرية، متناغما مع ما تحدث به وزير التعليم الدكتور أحمد العيسي حول نية الوزارة إغلاق بعض التخصصات النظرية في الجامعات، والتركيز على الإبداع والابتكار ليكملا ما تحدث به قبلهما وزير المالية السابق، بأن التوسع في الجامعات ترف لا حاجة له!



ما يبدو من تصريحات الوزراء أن الضغوط التي جلبتها البطالة آتت أكلها، ليتحول الهم الأكبر من تنمية البلاد وتغذية الفكر، وإخراج أجيال متعلمة إلى محاصرة البطالة، وكأن الهدف من الجامعات تحول من منارة تعليمية ومعرفية وبحثية وتنويرية إلى بوابة لتخريج موظفين ومهنيين ومن على شاكلتهم، وهو ما لم يكن يوما ما في أي جامعات دول العالم، فالجميع يدرك أنها لم تكن يوما بوابة توظيف، وأن هناك عوامل أخرى تؤثر في التوظيف، أحدها التخصص، لكنه ليس العامل الوحيد كما يتصور وزراؤنا الكرام، فالشخصية والمهارات الفردية، وتنمية وتطوير الذات، كلها عوامل تؤخذ في عين الاعتبار، وليس التخصص وحده.



وإن كان الأمر كما يتحدث عنه الوزراء، فإن كثيرا من الكليات والتخصصات مهددة بالإغلاق، وفي أحسن الأحوال مهددة بتخفيض نسب القبول، وفقا لهذا المنطق، فإن الإغلاق سيطال مستقبلا الكليات العلمية والهندسية عندما نصل إلى مرحلة الاكتفاء، وستصبح جامعاتنا جامعات الكلية الواحدة أو الكليتين أو الثلاث، وهو ما لم أسمع به يوما ما، فلم أسمع أن جامعة معينة أغلقت تخصصا معينا بحجة عدم وجود وظائف لخريجيها أو تخمة خريجي هذا التخصص في سوق العمل، قد يغلق تخصص لعدم وجود إقبال عليه، لكنه لا يغلق بسبب عدم وجود وظائف لخريجي هذا القسم أو ذاك، فالحرية في اختيار التخصص مكفولة للطالب، لا أن يفرض عليه أن يتجه لتخصص قد لا يرغبه ولا يجد نفسه فيه.



وإذا افترضنا جدلا أن الجامعات وتخصصاتها النظرية سبب البطالة، وتحولنا إلى التخصصات التطبيقية والهندسية والمهنية التي لا ننكر وجود عجز فيها، وحاجة في سوق العمل، فهل يوجد لدينا قطاع صناعي أو قطاع خاص منتج قادر أن يدفع للخريجين ما تدفعه أرامكو أو سابك أو الشركات الصناعية الكبرى، فمعظم الوظائف الهندسية أو المهنية أو التطبيقية التي يتحدث عنها الوزراء يشغلها أجانب لا تصل إلى نصف ما يطمح إليها الموظف السعودي، ولا تلبي احتياجاته.



نستنتج مما ذكر أعلاه أننا لم نحدد مشكلة البطالة بشكل دقيق، وما أسبابها، وأننا لا نزال ندور في حلقة مفرغة بدأت عندما رددنا مع مقولة أصحاب المصالح أن مخرجات التعليم لا توافق مع احتياجات سوق العمل، وبقينا نرددها طوال عشرين عاما أو تزيد، في حين أن المشكلة أعمق مما يتصوره الوزراء مع الاحترام والتقدير لهم، فالمشكلة مشكلة سوق عمل، وسلم رواتب ومزايا، وأنظمة منحت كل الحق والصلاحيات لأصحاب الشركات والمؤسسات على حساب حقوق موظف القطاع الخاص، ومشكلة مصالح نفعية بحتة، وستغلق بعض التخصصات والكليات وستظل البطالة كما هي، وسندرك وقتها أن ما نقوم به حلول تجريبية فقط، لكن هذه الحلول لا ينطبق عليها مبدأ إن نفعت وإلا فلن تضر.



[email protected]