منى عبدالفتاح

المخلوع وواجب كوبا

الأربعاء - 07 ديسمبر 2016

Wed - 07 Dec 2016

لا أحد ينكر أن ما يجري في اليمن حيث الحكمة المفترضة، هو مأساة بكل تفاصيلها وهي لا تزيد عن مآسي نزاعات الوطن العربي، إلا بحجم ما يلتصق باسم هذا البلد من سعادة غير متحققة.



من عجائب المخلوع صالح التي لا تنتهي أنه تناسى واجبه نحو بلده حين تجبر، وتذكر واجبا آخر هو العزاء في كوبا. خاطب صالح عبر بيان أصدره حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي إليه يطلب فيه من مجلس الأمن الدولي السماح له بالسفر إلى كوبا لتقديم العزاء في وفاة الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. وكان مجلس الأمن الدولي قد فرض في عام 2014 عقوبات استهدفت صالح، لتهديده السلام وعرقلة العملية السياسية في اليمن، وتضمنت العقوبات حظرا عالميا على سفره وتجميدا لأصوله المالية.



منذ الحوار الذي بدأ في 18 مارس 2013، والاتجاه العام ليمن جديد غير سعيد هو النظام الفيدرالي. فقد شكلت مطالب الجنوبيين باستعادة الدولة التي اندمجت مع اليمن الشمالي عام 1990 بتقسيمها إلى إقليمين تحكمه أسباب عدة من أهمها استعادة سيطرتهم على المحافظات الجنوبية الكبيرة مثل حضرموت، وما يمثله الجنوب من ثقل اقتصادي نسبة لأن معظم الاحتياطي النفطي اليمني موجود هناك، ويرفض الشماليون العودة إلى دولتي ما قبل الوحدة بحجة أنها تفتح الباب أمام تقسيم البلاد لأكثر من إقليمين.



يبدو أن خيار الانقسام متشبثا بحجة أن النظام السابق بنموذجه التسلطي الديكتاتوري، كان تجربة مرة أدخلت اليمن في أزمات عديدة وحروب لإزاحة القوى الصاعدة والخصوم السياسيين بالقوة. ووصل الحال إلى أن أصبحت اليمن إقطاعية، ضربت الوحدة الوطنية في مقتل مما أدى إلى اندلاع الثورة الشعبية في 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح، ولكنه كان قد رسخ دعائم سلطته بأن زرع موالييه في مفاصل الدولة.



وبدلا من أن يكون الحوار المليء بثغرات المراحل هو بداية مرحلة جديدة تنهي حالة الحرب وتفتح الباب لحل النزاعات القبلية والطائفية، كانت هناك مجموعة من الانفصاليين في الجهتين ينفخون في نار الخلافات، وبتقسيم اليمن يتمكنون من تحقيق أغراضهم الخاصة. تم حسم هذه المسألة جزئيا بتأكيد الرئاسة اليمنية تمسكها بالمرجعيات الثلاث والمتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرارات الأممية.



إذن هناك معطيات تخدم هذه التوجهات، لا يبدو فيها تمييزا بين النخبوي والشعبوي. ولكن الثابت أن اليمن الآن دولة مرهقة أضناها طموح التخلص من التمييز بين أبنائها، كما أضناها سلوك الصراع الموروث عبر نهج سياسي ما زال يحركه وقود صالح والحوثيين الذي أجج أوار حربه.

لذلك كله يحتاج الحوار إلى معجزة تجيء بسلام اليمن قبل أن يرتد إلى هذا البلد طرفه. أما إذا أصرت الأطراف المتحاورة على إقامة الحوار تحت دخان المدافع ومحروسة بصليل الجنبيات، فلن تحل القضايا العالقة.



أما القضية التي تحكم هذا المصير فهي قضية الانفلات الأمني، التي تتعدى استهداف المرافق العامة ومواقع السلطات كمباني المحافظات، والتصفيات الشخصية والعمليات الانتحارية والمواجهة بين الخصوم وما أبشع وأمر خصومة الأخوة. فلو صحت الإحصاءات الرسمية فكيف يتحقق الأمن في بلد يمتلك فيه اليمنيون حوالي 60 مليون قطعة سلاح بمعدل 3 قطع لكل مواطن.



لا ندري متى تنتهي ازدواجية الحزن والغضب في بلاد العرب، ولا متى تنطفئ جذوة الغبن السياسي والطائفي والقبلي. فالنداء بالوحدة لشعب لا يغفل تاريخ الصراع القريب، لن تمكنه نتيجتها إن تحققت من إراحة عقله الباطن المثقل بالضيم القبلي. فإثر كل خلاف تبرز دعاوى الانفصال التي تغفل حقيقة أن الوحدة هي قضية وجدانية محكومة بوجود داخل إطار الدولة وليس قضية حدود سياسية. وبتعبير آخر فهذه الفوضى العابرة للمساحات هي صدى للأمكنة والأحداث، فشيء ما يربط جراح عناقيد الشام التي تنزف تسقي نخيل اليمن، فلا أدرك السلام عنب الأولى ولا بلح الثانية.



[email protected]