فائز صالح جمال

فشل الخصخصة.. ساهر نموذجا

الاحد - 04 ديسمبر 2016

Sun - 04 Dec 2016

للقطاع الخاص أسس يقوم عليها ومحددات تحكم سلوك منشآته والعاملين فيه، من أهم هذه الأسس الربحية، بمعنى أن تأسيس منشآت القطاع الخاص يكون من أجل تحقيق مكاسب وأرباح مادية لأصحابه وليس أي شيء آخر، فهي منشآت ربحية، بل ومن قواعد عملها العمل على تعظيم الربحية.



ولذلك، لا يستغرب سعي القائمين على مؤسسات القطاع الخاص إلى الكسب والتربح من وراء أعمال وتعاقدات مؤسساتهم بما فيها قيامهم بتشغيل بعض المرافق الحكومية.



والخصخصة أو الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص تهدف في الأساس إلى الارتقاء بمستوى ما يتم تقديمه من خدمات وخفض كلفتها وأعبائها على ميزانية الدولة، وعندما تعمد الحكومة إلى الخصخصة فيجب عليها مراعاة ربحية القطاع الخاص ولكن دون التخلي عن مسؤولياتها تجاه رعاياها، ولا يصح أن تكون الخصخصة على حساب المواطن، بل يجب أن تكون لصالحه من جهة جودة ما يتم خصخصته من خدمات ومرافق ودون تجيير الكلفة عليه.



فلو ركزنا في خصخصة بعض مهام وخدمات الحكومة على ربحية القطاع الخاص فسوف يؤدي ذلك إلى ارتفاع كلفة ما يقدم من خدمة، وأحيانا يؤدي إلى إجهاض مشروع الخصخصة بالكامل كما هو الحال في خصخصة تطوير العشوائيات على سبيل المثال.



وفي تجربة خصخصة ساهر التي هي موضوع هذا المقال فقد عمدت إدارة المرور وأمن الطرق إلى إيكال تمويل تأسيس وتشغيل منظومة ساهر لمؤسسات القطاع الخاص بالكامل فنتج عن ذلك أمران، الأول عدم اكتمال التغطية للطرق والإشارات المرورية عندما حان موعد تسليم المنظومة لإدارات المرور، والثاني سوء سلوك الشركات القائمة على ساهر بتصيد المواطنين لزيادة الغلة وتعظيم الربحية على حساب الناس.



وأصبح حالنا مع ساهر كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى لأننا حملنا القطاع الخاص بما لا قبل له به، وأعني تكليفه بتمويل تأسيس بنية منظومة كاميرات ونظم ساهر على الطرق وداخل المدن واستحصال التمويل من المخالفات وهو ما كان يجب على الحكومة تمويله وإيكال التشغيل فقط للقطاع الخاص، خاصة وأن انطلاقة مشروع ساهر واكبت طفرة ووفرة في أموال الحكومة غير مسبوقة.



والمحصلة النهائية لذلك أننا بقينا على رأس قائمة الدول في معدلات الحوادث المرورية وما تخلفه من خسائر في الأرواح والأموال للأسف، لأن قدرات القطاع الخاص لم تمكنه من تمويل استكمال التغطية وهو ما جعل سلوك السائقين منضبط فقط في أماكن التغطية وهي لا تشكل سوى النسبة الأقل من طرقنا. ولأن وطأة الربحية دفعت الشركات المشغلة إلى أن تعمد إلى أسلوب التصيد بطريقة مستفزة حفزت السائقين المتهورين على الإيغال في التهور والمخالفة بعيدا عن كاميرات ورصد ساهر، وهو ما جعل السير على الطرقات ضربا من المغامرة وموترا لأعصاب مستخدمي الطرق.



وأما تجربة تطوير العشوائيات التي أشرت إليها عابرا فقد فرضت على الحكومة التنازل عن العديد من واجباتها في حماية المصالح العامة وتقديم الخاصة عليها، والأهم هو إجهاض غالب المشاريع بسبب عدم تحمل الحكومة لمسؤولياتها وضعف جدوى التطوير للقطاع الخاص بسبب تحميله تأسيس البنى التحتية وتعويض نزع الملكيات وهو ما سأعود إليها تفصيلا في مقال لاحق كنموذج غير ناجح للخصخصة.



[email protected]