عبدالله الجنيد

دروس زايد

السبت - 03 ديسمبر 2016

Sat - 03 Dec 2016

لم يلمس هذا الإنسان الكريم زايد بن سلطان رحمة الله عليه بشرا أو أرضا إلا وغير من طبع الأول وخصائص الثانية. ففراسته وبصيرته صاغتهما الصحراء في البدوي فأعاد هو صياغة الصحراء باستثمار رؤيته في أهل ساحل فحوله إلى دولة تسابق هي نفسها في السمو بالإنسان. وربما أن أجمل تكريم لذكرى هذا القائد أن كل إماراتي هو «ولد زايد»، بل حتى من فجر في خصومة الإمارات كان يسميهم «عيال زايد». لم يسبق للتاريخ السياسي العربي أن أنتج قائدا بحجم زايد، ذاك العروبي الذي تطلع للتحرر من تسلط الأجنبي، لكنه أدرك أنه دون إطلاق مشروع دولة فإن الإمارات لن تستطيع مجابهة المستقبل.



سر نجاح مشروع زايد هو إعادة صياغة معادلة التنمية، أي يجب أن يدرك الإماراتي أولا قيمة الاتحاد مستقبلا، ودون أن يخشى القائد على الإماراتي من مخاطر التراكمات اللازمة. فها نحن اليوم أمام دولة هي الأقرب للانعتاق من نظام الدولة الريعية عبر اقتصاد متنوع معرفي في أساسه يرتكز على رأس المال البشري لا النفطي. أما الدولة الحلم، فهي اليوم حقيقة تجاوزت كل أشقائها، وذراع في الحزم وسند لكل شقيق. الإمارات نجحت عندما اقتنع الجميع بأن قيمة العائد على الاكتتاب في مشروع وطن قوي يتجاوز كل الطموحات الفردية، فنجحت في تخليق هوية وطنية أساسها عربي وطموحها كوني. فالتقدم الحضاري لم يهمل مكون اللغة، وربما أن مشروع اقرأ الذي أطلقه سمو الشيخ محمد بن راشد رئيس الوزراء قد تجاوز حدود الدول الناطقة بالضاد. كذلك مشروع أكبر مكتبة ودار أوبرا، ومشاريع الطاقة المستدامة والاقتصاد المعرفي الذي تقوده مصدر الإماراتية، واليوم هي إحدى المؤسسات الدولية الرائدة في تنمية مصادر الطاقة المتجددة والبديلة. هذه الملحمة العربية الجميلة يقودها إماراتيون شباب، ونون النسوة غير عائق للمرأة الإماراتية في القاموس السياسي الوطني. فالمرأة الإماراتية موجودة في كل الميادين من التعليم إلى التصنيع وحتى قيادة أحدث أعقد المقاتلات الجوية الحديثة.



في أول زيارة لي للعاصمة أبوظبي ودبي في مطلع ثمانينات القرن الماضي، كانت دبي هبة الخور (الممر المائي) الذي اقترض المرحوم الشيخ راشد آل مكتوم لتوسعته وجعله ممرا مائيا فازدهرت ضفتاه، أما في أبوظبي فقد شدني جسر المصفح ومطار الظفرة بأهله. اليوم الإمارات في عهدة قيادة سياسية وطنية برؤية هي تتمة لرؤية آبائهم، وإحدى أبهى صور العزيمة في البناء تجسدت عندما فازت دبي بتنظيم مهرجان إكسبو 2020 فكان عرسا إماراتيا شاركتنا فيه الإمارات. وكذلك حالها في الشدائد، فعندما مس شرر ربيع الهوان العربي بلادي الصغيرة البحرين كان هل العوجا واعيال زايد أول من قال لبيك يا البحرين.



لنتعلم من الإمارات دروس صناعة الاتحاد في عيدها الـ 45، والتي علمتنا قيمة الاستثمار في الإنسان وأن تسامحها عزز قوة هويتها العربية.