محمد العوفي

أخيرا.. أصبح للمال العام نظام يحميه

الخميس - 01 ديسمبر 2016

Thu - 01 Dec 2016

تصنف جرائم الاعتداء على المال العام (النهب، الاختلاس، التصرف به على خلاف ما نصت عليه الأنظمة والقوانين) وفقا لاتفاقية مكافحة الفساد العالمية بأنها أكثر خطرا من الإرهاب؛ كونها إرهابا غير ظاهر للعيان، يمارس بالخفاء، وقد يكتشف متأخرا أو لا يكتشف في حال نجحت الأطراف المتورطة فيه في إضفاء الصورة الشرعية عليه. علاوة على أنه يماثل جرائم الإرهاب في الأضرار التي يتسبب بها، فكلاهما ذو ضرر على المجتمع، فهما يقوضان الاقتصاد، ويعطلان التنمية، لكن ضرر جرائم المال العام يمتد إلى نزاهة الوظيفة العامة من ناحية أخرى، وما يرتبط بها من تكاليف مادية ومعنوية، لذا كانت الحاجة إلى نظام صريح يحميه ضرورة حتمية لا يمكن التنازل عنها.



وهو ما تحقق جزئيا بعد نحو 11 عاما من الأخذ والرد بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء حول مشروع نظام المال العام الذي أقر مجلس الشورى صيغته الأولى في صفر 1426، قبل أن يعاد إليه مرة أخرى من قبل هيئة الخبراء لمراجعته وتعديل بعض فقراته، لتقر هذه التعديلات مرة أخرى في 1428، لكن النظام سحب وأعيدت دراسته من جديد، واستغرقت تلك الدراسة نحو ثمانية أعوام حتى وافق مجلس الشورى على المشروع في جلسته الثلاثاء الماضي.



ومشروع النظام الذي أقره مجلس الشورى ألزم الوزراء ونوابهم وأصحاب المراتب الوظيفية الممتازة والـ14 و15 في نظام الخدمة المدنية، ومن في مستواهم الوظيفي في السلكين العسكري والدبلوماسي، وأمناء المدن ورؤساء البلديات ومديري العموم للشؤون الإدارية والمالية، ورؤساء أقسام المحاسبة، بتقديم إبراء ذمة مالية عند شغل الوظائف والمراتب السابقة.



كما أنه نص على معاقبة من يعتدي على المال العام اختلاسا أو مشاركة في الاختلاس، بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة مالية لا تزيد على خمسة ملايين ريال أو بهما معا، ومعاقبة من استولى أو شارك في الاستيلاء على مال عام اتصل به بحكم عمله أو تصرف فيه بغير حق أو سهل ذلك لغيره بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال، ومعاقبة كل موظف حكومي عام كلف بالتفاوض أو التثمين أو التعاقد من جهته مع جهة داخل أو خارج المملكة في شؤون تلك الجهات، وترتبت حقوق والتزامات مالية من ذلك وتعمد إجراءها بما يضر بالمصلحة العامة أو ليحصل على منفعة لنفسه أو لغيره، بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بغرامة قدرها خمسة ملايين ريال.



وبالتالي فإن الاتجار غير المشروع من الوظيفة العامة سيصبح محاصرا، لأنه سيمنع أي مسؤول حكومي من استغلال منصبه أو عمله لتحقيق منفعة له أو لغيره أو استغلال نفوذه ليسهل لغيره الحصول على منفعة أو معاملة متميزة، وسيكون المسؤول أو الموظف أكثر حرصا وحذرا عند التعامل مع المال العام، لأنه يدرك أنه قد يكون شريكا في جرائم المال العام بالمشاركة أو التساهل والتغاضي، وعدم التدقيق في الدورة المستندية للصرف، أو التساهل في الشراء المباشر، أو المناقصات الحكومية وما في حكمها، أو مساعدة في استعمال الأموال العامة في أغراض شخصية أو في غير الأغراض المخصصة لها.



موافقة مجلس الشورى على مشروع النظام تعني أن إقراره من قبل مجلس الوزراء أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأن العمل بقاعدة «من أين لك هذا؟» سيصبح ممكنا أكثر من أي وقت مضى، لأن إحياء العمل بهذه القاعدة يتطلب تطبيق إقرار الذمة المالية أولا ليمكن من محاسبة ومساءلة كل مسؤول أو موظف عام تحوم حوله الشبهات.



[email protected]