إيناس المخلفي

عذرا جمانة.. بسطتك شوهت الحضارة!

الأربعاء - 30 نوفمبر 2016

Wed - 30 Nov 2016

ما زالت بسطة الحجة (صاملة) وما زالت بائعة المنتو توزع بضاعتها أمام أبواب المدارس، فلا خطر على الصحة من أكياس المنفوش بالشطة ولا تسمم غذائي بسبب لحمة المنتو مجهولة المصدر على الأقل في عيوننا وليس في عيون الأمانة.



لكن الخطر والتسمم الغذائي واقع لا محالة بسبب شاهي الجمر الذي أعدته المواطنة السعودية جمانة لتقتات من ثمن تلك الأكواب لقمة عيش لها ولأيتامها.



تشكر أمانة المدينة على مبادرتها وسرعة انقضاضها على بسطة جمانة وإزالتها وحمايتنا من التسمم الغذائي الذي اختبأ حسب زعمهم في أكواب الشاي الأحمر على الجمر والذي تسللت رائحته العطرة إلى أنوفنا ودغدغت فينا مخمخة الشاي بالنعناع.



في الوقت الذي بقيت فيه الحجة بصينيتها لسنوات كأحد أهم المعالم الأثرية والحضارية والثقافية للمدينة أمام المدارس وفي الأسواق وعلى أرصفة الأزقة والشوارع، ونادت بائعة المنتو بلكنتها المكسرة (منتو لهم بشتة) وجال بائع البطاطا المقلية بزيت المحركات بكل أمان واطمئنان يبيع السموم المهدرجة لأطفالنا، دون أن يمنعهم أحد أو يتأكد حتى من صلاحية ما يبيعونه للاستخدام البشري إن لم يكن حتى غير آمن للاستخدام الحيواني.



ونأسف يا جمانة، فلن نستطيع أن نبتاع منك هذا الكوب الفاخر لأنه صنع بأيد سعودية، مما جعله مصدرا للتسمم الغذائي والتلوث البيئي، إضافة إلى أن بسطتك قد شوهت الحضارة برمتها وأصبحت مظهرا غير لائق في كورنيش المدينة.



وربما لو بدلت زيك وكسرت لكنتك وحروفها وأنكرت وطنيتك، ربما وقتها كنا سنطمئن ونشرب من كوبك.



ليست الحجة جمانة ولا بائعة المنتو جمانة، ولكنك السعودية جمانة التي كابدت وناضلت من أجل لقمة العيش من أجل أن تطعم أيتامها بشرف وكرامة.



وفي وقت تجاهلك المجتمع ولم يقف بجانبك ولم يساعدك على تربية الأيتام ولم نر من يمد يد العون لك عندما احترق منزلك، وعندما جاع أطفالك وعندما بكيت خوفا عليهم وحدك ولم يشعر بهم غيرك، نهضت الأمانة وبكل قوتها لتمنعك من تلويث البيئة وتشويه الحضارة ولتزيل حلمك الصغير الذي أصبح المهدد الوحيد للصحة فجأة، بنظر أمانتنا الموقرة، مؤكدة ذلك في بيانها الذي دافعت فيه عن مراقبها وبررت موقفه وحملتك مسؤولية ما حدث ولم يبق إلا أن تؤكد أنك من كسر بسطتك وحطم حلمك.



جمانة القوية قاومت عثرة الحياة بكل قوتها، لم تطلب ولم تشتك يوما، ولكن سوء الحظ أوقعها أمام أشخاص رأوا أن ما تبيعه خطر ومخالف للصحة والسلامة وتغافلوا عن لحم المنتو مجهول المصدر والهوية والنوع، تغافلوا عن زيت القلي في عربات البطاطا، تغافلوا عن بسطة الحجة وعن وعن وعن.. ولم يروا غيرها.



عذرا، جمانة، «ابنة الوطن»، لا مكان لك حتى على الأرصفة.