منى عبدالفتاح

تفكيك داعش

الأربعاء - 30 نوفمبر 2016

Wed - 30 Nov 2016

شاهدت مؤخرا فيلما وثائقيا عن داعش أنتجته وكالة «vice news» البريطانية، صوره وأخرجه المنتج والمخرج البريطاني مدين ديريه، بعد أن منحه داعش تصريحا بالتصوير. يفضح الفيلم كيفية نشأة التنظيم وتوسعه، وكيفية السيطرة على عقول الأطفال وتجنيدهم عن طريق عمل رحلات ترفيهية لهم لجذبهم للتنظيم، وزرع الأفكار التكفيرية والإرهابية في عقولهم.



أظهر الفيلم تناقضا كبيرا بين دمار الشوارع وبدائيتها، وترف ثكنات قادة التنظيم المؤهلة بكل الأجهزة الحديثة، في شكل انفصام يسيطر على المظاهر، كما الأحاديث التي أدلى بها أعضاء التنظيم للوكالة. هذا الفيلم لو وجد قليلا من الفضول الأمني لدى الدول العربية فسيسمح بإجراء تحليل نفسي واجتماعي واقتصادي على كل التنظيم، وربما يساعد في تفكيكه.



مشاهد غريبة وكأنها تأتي من زمان سابق، تشبه تلك المناشدة اللهفى التي صورتها والدة الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف، في وقت سابق حيث كان معتقلا لدى»داعش» في مدينة حلب بسوريا. ظهور ستيفن في نهاية مقطع فيديو نشره التنظيم لإعدام الصحفي الأمريكي جيمس فولي، أبان حجم ما وصلت إليه البشرية من وحشية. وخطاب الأم المضمخ بالحزن، والموجه للتنظيم ممثلا في زعيمه أبي بكر البغدادي لم يكن خطابا عاديا وإنما استحلاف بما يفترض أن يكون أغلى ما عند التنظيم الذي يرفع راية الإسلام، قالت فيه «أطلب منكم استخدام سلطاتكم لإنقاذ حياته والاقتداء بالنبي محمد الذي حمى أهل الكتاب».



وكلما دبت الروح في تلك القضية بقضية مشابهة تخطر على البال المسرحية الأمريكية التي قدمها آرثر ميلر «كلهم أبنائي» عام 1947 وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 1948 وفيلم تلفزيوني عام 1986. وقد لا يظهر الرابط الشكلي، ولكن من حيث المضمون والرسالة فإن قصة «كلهم أبنائي» تمد رابطا قويا يكمن في صراع بطل المسرحية مع المسؤوليات، فلكي يوفر مالا لعائلته تسبب في وفاة 21 طيارا بشحن أسطوانة غاز تالفة، ورأى أن هذا مبرر كاف لكي يتحلل من مسؤوليته تجاه المجتمع.



وإصرار تنظيم داعش على تنفيذ عقوبته حسبما يصوره ارتكازه على شرعية ما، وهذا التعنت القريب والإصرار على تصفية الأسرى يعود بنا إلى بدائية الإنسان قبل بزوغ أول خيط من إشعاع الحضارة الإنسانية، وهي التي كانت تبيح له أن يفعل ما يراه بشأن الأسرى، إذ كان مصيرهم أن يذبحوا أو يقدموا قرابين للآلهة. ذلك تاريخ لا إنساني ظلامي من المفترض أن يكون قد ولى بتحضر الإنسان وسموه عن بدائيته ونزعته الحيوانية الشرهة لمظاهر القتل والتعذيب، ولكن ما لنا نعود الآن من حيث ابتدأت الإنسانية؟ في هذه الألفية لا يعيد هذه المظاهر إلا ما شهده العصر من صراعات حقوقية مريرة من أجل الوصول إلى قوانين ومعاهدات تحفظ للإنسان كرامته وإنسانيته.



والمسؤولية كما عكسها آرثر ميلر في المسرحية هي نفسها في واقع الحادثتين، تقول إن من يقوم بالفعل هو الذي يجب عليه أن يحتمل عواقبه، وإن الانتصار أو الراحة الظاهرية مع أذى الغير عمرها قصير. ومثلما حدث في المسرحية التي لم يقتل بطلها ابنا واحدا وإنما قتل أبناء بلده، يفعل داعش بكثيرين ودون رابط محدد يتساوون به إلا كونهم بشرا، ليس هناك دين واحد ولا مذهب واحد ولا جنسية ولا جنس معين، الكل عنده مذنب وكافر يجب عقابه باسم الدين.



ما زال هناك الكثير عن هذا التنظيم الدموي ينبغي سبر أغواره بأعمق من الأفلام الوثائقية، وما زالت هناك أسئلة معلقة عن هل هناك أي رابط بين داعش والماسونية الدولية، ومن يمول داعش؟ فما باتت فرضية التمويل من عائدات النفط المنهوب تشبع نهم الباحثين عن إجابة منطقية لتنظيم كان يدور في فلك تنظيم القاعدة ويقوم بتمويله، ثم انفصل عنه ليمول من جهات أخرى، يحتاج الكشف عنها التفكير خارج الصندوق.





[email protected]