ديسموند دوس

الأربعاء - 30 نوفمبر 2016

Wed - 30 Nov 2016

ديسموند توماس دوس هو الأمريكي الوحيد من نوعه الذي حصل على وسام الشرف، إثر مشاركته كجندي في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية. ذلك -عكس ما قد يتبادر للذهن- ليس لأنه قتل أكبر عدد من الأعداء، ولا لأنه ابتكر سلاحا فتاكا، أو وضع خطة هجومية أو دفاعية محبوكة أو أتى بمعلومات استخباراتية عالية السرية أو.. أو.. ولو كان تكريمه تبعا لأحد هذه البطولات العسكرية التقليدية لما التفت إليه ولا ضربت به المثل. عند هذه النقطة يجدر أن أنوه بأني لست بصدد تمجيد حرب عالمية أو جيش دولة أو جنسية دوس أو دينه أو مذهبه، وإنما سأذهب الى تمجيد إنجازاته التي هي حتما نتيجة مباشرة لفهمه الصحيح للغاية وراء الأديان باختلافها وثباته على اعتقاده البناء مهما كلفه ذلك.

وأنا على ثقة بأن بيننا وفي تاريخنا من هم مثله، إنما كان الاستشهاد بسيرته دون غيره لمرورها أمامي.



كعضو من الثمانية عشر مليون عضو في «كنيسة اليوم السابع» Seventh-Day Adventist Church آمن دوس بحرمة الأرواح على رأس قائمة من المعتقدات الأخرى، كحرية الاعتقاد وأداء العبادة في اليوم السابع من الأسبوع (السبت). عندما اشتدت الحرب العالمية الثانية وتعالت نداءات الحكومة الأمريكية لرجال شعبها للانضمام للجيش، شعر دوس بأهمية تلبية نداء وطنه لكن بدون أن تزحزحه تلك التلبية عن معتقده، فسجل اسمه للالتحاق بالجيش كمسعف على أرض المعركة لا كمقاتل. تم بناء على ذلك قبول طلبه، لكن عندما حان وقت التدريبات العسكرية كانت تلك التدريبات لا تفرق بين مقاتل ومسعف على افتراض أنهم جميعا سوف يكونون على أرض معركة، وبالتالي يتحتم عليهم تعلم استخدام السلاح للدفاع عن أنفسهم على أقل تقدير. كان رفض دوس لأن يلمس سلاحا رفضا قاطعا ولو كلفه ذلك حياته، وكذلك لأن ينسحب من الجيش بإرادته ولو كلفه ذلك حريته، وقد عانى من أجل ثباته على موقفه ذاك الكثير، ابتداء بسخرية زملاء الكتيبة منه وتعنيفهم له جسديا، ثم تهديده بفصله من الخدمة العسكرية بمسوغ عدم الأهلية، وإرساله لبلدته ليواجه وصمه بالعار والسخرية، وانتهاء بإحالته للمحاكمة العسكرية بتهمة عصيان أوامر رؤسائه للتدرب على حمل السلاح واستخدامه. جازف دوس في أن يزج به في السجن لسنين طوال في مقابل ثباته على مبدأ عدم الإيذاء، وبكل إصرار وعزيمة وقف أمام القاضي وشرح موقفه في أن انضمامه للجيش كان على أمل إنقاذ الأرواح لا إزهاقها، ما انتهى بتفهم القاضي لقوة معتقده وقبول انضمامه وفق شروطه.



شارك بعدها دوس في معركتين وفاز بميدالية البطولة البرونزية في كل واحدة منها، وفي المعركة الثالثة أنقذ دوس حياة أكثر من 75 من جنود كتيبته رغم عودته مصابا أربع مرات، وذلك دون أن يضعف ويلمس سلاحا رغم الظروف الملحة. وتجسدت سخرية القدر عندما أنقذ من بين هؤلاء حياة رؤسائه الذين كانوا قد طردوه وقدموه للمحاكمة.

إن مبدأ الراحل دوس المتمثل في حفظ الحياة وقوة اعتقاده، وثباته حتى أمام أكثر الظروف ظلما، وأمام الموت نفسه لا يجب أن يمر بنا مرور الكرام، دون أن نتوقف عنده، ونلقي له «ألف تعظيم سلام» أمام ما يحدث اليوم من صراعات وحروب وإزهاق للأرواح باسم الدين والمذهب والمعتقد، فشتان بين تطرف وتطرف، وشتان بين مبدأ السلم ومبدأ الحرب.



[email protected]