أحمد الهلالي

دكاترة التعليم على جمر الغضى!

الثلاثاء - 29 نوفمبر 2016

Tue - 29 Nov 2016

لا يعلم كثيرون عن حمم الأسى المائرة في أعماقه، وهو يحمل أدواته، ويدخل من باب المدرسة، يحاول جاهدا الابتسام حتى للجدران، يعلم أنها جدران حقا، لكن أملا عميقا في أعماقه يكذب عليه؛ أنها يوما ستتحرك من مكانها، ستنفتح وتعبرها أحلامه التي حفظها وسادته، وفاضت بها أحاديثه لأبنائه عن كفاحه وكده، وأسفه عن حرمانهم من الاستجمام بحجة أبحاثه، ومشاوير دراسته، وضيق ذات اليد.



ينظر إلى جدران المدرسة، أو جدران مركز الإشراف التربوي كل صباح، ويبتسم لها كثيرا؛ لأنه لا يفرق بينها وبين زملائه ورؤسائه الذين لم يتجاوز أغلبهم درجة (البكالوريوس)، الدرجة التي تشدد الوزارة على كتابتها في كل استمارة ترشيح، حتى لو نال الموظف درجة (بروفيسور) فلا قيمة لها ولا يوازي جرسها جرس (البكالوريوس)، الدرجة ـ أيضا ـ التي ينظر قاطنوها من قادة العمل التعليمي إلى من تجاوزوها بعين الحذر، فهم أكبر مهددات (الإزاحة)، فيطوق حبل الحذر أعناق الطامحين، بالمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة، وربما الكتابات السرية التي تبلغ التحليل النفسي لما ينويه، أو يفكر فيه هذا (الكائن الغريب) حامل درجة (الدكتوراه)، في وزارة لا تعترف بها، وتراها (مجرد حشو) لا طائل من ورائه، فلم تكلف نفسها بتخصيص رتبة لها في السلم الوظيفي، فبعد أن تفضلت (بالسادس النادر) على حملة (الماجستير)؛ أتخمته بالسدود وحشرت معهم (الدكاترة) المستضعفين.



حين يعود إلى المنزل مثقلا بنظرات أسرته، ووعوده المؤجلة لهم، فيخلع ملابسه إلا سرابيل همه الثقيل، (يفر) مواقع الجامعات على الشبكة فرا، فربما فاته شيء في وقت قيادته للسيارة، ثم يستلقي، يتذكر عقبة شرط (التفرغ) الكؤود، الذي لم يشفع للحاصلين عليه (أصلا)، يتفحص منسوب ماء وجهه حين كان يتذرع بكل أنواع (الواسطات)، ثم خيباته واضطراره للإجازة الاستثنائية، والدراسة على حساب عوز أسرته و(ذهب زوجته)، وتراكم المديونيات الضخمة، ليجد نفسه على ذات البلاطة التي حاول أن يقفز عنها، فكسرها، وجثا على ركبتيه تحت معاول الهموم والديون.



يتذكر معاناته حين عين في قرية نائية جدا، وأسفاره بكل تفاصيل وعثائها، وكآبة منظره، لكنه يتمنى أن تقبل به جامعة في أي مكان من أصقاع الوطن، سيتحمل المعاناة من جديد، فقط ليجد ذاته، وليبرهن لأبنائه وطلابه أن الإنسان الطموح يجني العنب من الشوك، لكنه يصطدم بذات الجدران، ويبتلع الشوك، التعليم تتآمر مع جامعاتها على عنبه، وتراه قطرة تنوي (التسرب)، لتبني معا السدود تلو السدود، فيكفنونه بطموحاته، ويصبون أنين أسرته رصاصا مذابا في أذن روحه، ورصاصات أعين القادة الزملاء تخترق قلبه كل صباح.



من لدكاترة (التعليم) يا وزيرهم الدكتور؟ وقد نسفت (الدولة) الجدران، وجعلت الوزارتين (واحدة)، من المنطقي أن يترقى المعلم (الدكتور) ليصبح على المستوى (السابع) أو أستاذا في جامعة تتبع وزارته، وسيقبل بكل أنواع اختبارات الكفاءة، فهو أحق من (نظير) تتعاقد معه الجامعة، ويبقى الطامح نازفا لا يملك إلا دمع حروفه في مواقع التواصل الاجتماعي.



[email protected]