شاهر النهاري

غسان يرفض مسمى 48

الثلاثاء - 29 نوفمبر 2016

Tue - 29 Nov 2016

لعل من أعقد حيوات عصرنا الحالي، حياة بطل حيرتنا غسان؛ شاب يذبحه قدر التناقض من حوله؛ ولكنه يظل واثقا من نفسه، وقيمه، ومما يريد، ويمد خطواته مهما تعسرت وتغيرت، ومهما عجزت العقول المغلقة عن استيعابها.



يعمل مهندسا في شركة حيفاوية فلسطينية إسرائيلية، وهو عربي فلسطيني العروق والمنشأ والروح، ويفتخر بأنه ممن رفضوا الرحيل عن أراضيهم، المغروسة في ثرى أرواحهم منذ الأزل، ويرفض مسمى عرب الثمانية والأربعين، بل يعتبره عنصرية ومنقصة في حق المناضلين، المتشبثين بالثرى المقدس إلى أبد الآبدين.



ولو توقفت تناقضات حياته هنا لهانت قصته، ولكنه مسيحي الديانة، من أهل العهد الجديد، ولا يجد ضيرا في العيش مع أهل العهد القديم من بني إسرائيل طالما قدموا له كامل حقوقه، واحترموا خصوصياته، ووجوده؛ وهو يحب جميع أهل أرض كرنفال التسامح فلسطين؛ يهودا ومسيحيين ومسلمين سنة وشيعة ودروزا وعلويين، ويحترم حقهم في أداء طقوسهم ومناسكهم، طالما أن ذلك لا يكلفه تنازلات نفسية، ولا يجعله منبوذا، أو مسيطرا على أفكاره وحرياته.



اليهود رغم احتلالهم للأرض، أعطوه معاني الدولة والديمقراطية، والأمن، ومكنوه من حقوقه بالعيش والتعليم والصحة والعمل، وبلوغ أعلى المناصب.

إيمانه عميق بضرورة تحرير الأرض المحتلة، وإنهاء التقسيم العنصري فيها، وعودة السلام لأرض السلام دون أدنى نظر للفوارق الدينية والعرقية.

يرفض بناء المستعمرات، ويعتبر المقاومة حقا مشروعا لمن لا يجد حقوقه، ويحمد الله على بعد وطنه عما يحدث مؤخرا في مدن الربيع المهلك، مما يعتبره مؤامرة عنصرية خبيثة يقصد منها منع أهل البلدان الأصليين من اقتسام النسمة والطين والموارد والحقوق مع حكامهم.



يجيد العبرية كلغة سامية، والإنجليزية، وتظل لغته الأم العربية، مفخرته ببديعها وأسرارها.

عرضت عليه فرص العمل خارج حدود وطنه الحيفاوي، وأغري باللجوء، وزينت له الهجرة إلى مدن الخليج والعالم الحديث، ولكنه يرفض الإغراءات، ويظل صامدا يدندن عشقه بأهازيج الأمل، ويتجذر في تربة الكرم والتين والزيتون، ويخشى حركة تذيقه لمعة أشجار الزينة؛ فيمد جذوره للأعماق، ويبث ألوان محبته على وجوه الآخرين، مهما تباينت ألوان قزح مطالبهم السلمية، ويدعو الله أن ينالوا معه الاستقرار، واليقين.



وتدمع عيناه لما قيل مؤخرا عن كارثة حرائق أرضه المقدسة الفلسطينية، وعلى ألسن إخوة عرب؛ ويعجب من تحجر عقولهم وموات مشاعرهم بأن شمتوا، وحسبوها انتقاما ربانيا، ولم يخجلوا من التطاول بالدعاء على أرض المقدسات ومن يسكنون فوقها من العرب!.

ويشدد على أن من بادر بالدعاء، بعيد عن الدين والعقل والمسؤولية، والإنسانية.



يؤلمه الفارق الشاسع بين ما تؤديه إسرائيل الديمقراطية لشعوبها، وما تكدحه بعض الشعوب العربية وتعانيه مع حكوماتها الجائرة الفاسدة الواهنة، عدوة الإنسان والحرية.



هو يؤمن بالتعايش السلمي، ويتمنى أن يعم ذلك في كل زوايا فلسطين والدول العربية، والكون بأسره، ويجهر بأن ذلك أفضل من إبراز الفروق، ونقض الجروح، وتشريع أبواب الخلاف والتخلف، وتجييش الشعوب العربية في ثكنات التحدي الفكري والكره العنصري، لتستمر مشتتة متحاربة، لا تنعم بطعم عقل ولا عدالة.



غسان يا إخوتي عربي منا، يقبع هناك في الظل مناضلا، ولكنا لا نعرفه، ونهمشه، ولا نقدر أوضاعه، ولا نحاول دعمه، ولو بكف أذيتنا عنه.