صالح عبدالله بوقري

مصداقية نوبل ودماء الروهينجا

السبت - 26 نوفمبر 2016

Sat - 26 Nov 2016

قال الله تعالى في محكم تنزيله «وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد» صدق الله العظيم (البروج).



في ردة فعل شابها التوتر والانزعاج الواضح كانت إجابة وزيرة خارجية ميانمار (بورما سابقا) على سؤال مذيعة هيئة الإذاعة البريطانية ميشل حسين، مقدمة برنامج show today حول المذابح التي يتعرض لها المسلمون الروهينجا وهم الأقلية العرقية والدينية على يد البوذيين وعلى مرأى من الحكومة في رانغون، حيث بررت السيدة أون سان سوتشي أن الاعتداءات متبادلة من الطرفين، وفي ذلك مغالطة واضحة للحقيقة بشهادة كثير من المراقبين المحايدين.



وزيرة الخارجية الحالية لدولة ميانمار هي مستشارة الدولة ورئيسة حزب الرابطة الوطنية الذي فاز بالحكم في أبريل 2016، وما كان يعيق وصولها لرئاسة الجمهورية سوى دستور البلاد الذي يمنع هذا المنصب عمن يحمل أحد أفراد أسرته جنسية أجنبية، وقد قضت أكثر من خمسة عشر عاما سجينة بسبب مناهضتها للحكومة العسكرية السابقة ومطالبتها بالعدالة والحرية للشعب عامة، الأمر الذي اعتبر شجاعة فائقة منحت بسببها جائزة نوبل في عام 1991.



واليوم تتنكر السيدة أون سان لكل مبادئها مجاملة للأكثرية ومحافظة على أصوات الناخبين ليس إلا، بالرغم مما تعرض له ويتعرض له المسلمون وهم مواطنو الدولة الذين يكفل لهم دستور البلاد حق المساواة والمواطنة، ويتركزون في إقليم الأراكان حيث يمثلون نصف السكان فيه.



ويذكر التاريخ أن هذه الأقلية تعرضت في منتصف القرن الماضي لعمليات إبادة عرقية الأمر الذي أثار غضب العالم الإسلامي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، حيث أمر الملك فيصل بن عبدالعزيز، يرحمه الله، باستقبال الكثير من الأسر التي هجرت من وطنها بسبب الدين آنذاك، وبلغ عددهم في ذلك الوقت خمسين ألفا تقريبا، وما زال أبناؤهم وأحفادهم ينعمون بالحياة الآمنة في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.



ونتساءل اليوم كيف تبقى نوبل مع من يغض الطرف عن مجازر تتكرر كل عام يتعرض لها شعب الروهينجا وذنبهم في ذلك أنهم اختاروا الإسلام دينا، وتبرر السيدة أون سان هذا الفعل بدافع المجاملات والمصالح السياسية لا سيما أنها بالإضافة إلى كونها وزيرة الخارجية فهي كذلك وزيرة مكتب رئيس الدولة، وأنيط بها وزارات أخرى.



ونجد هذه السيدة المؤثرة في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، بل الأكثر تأثيرا، ضاربة بكل المبادئ والقيم التي نادت بها إبان ثورتها على نظام بلادها الذي كانت تعتبره قد انحرف عن العدالة والديموقراطية، والتي نالت جائزة نوبل بسبب نضالها الوطني الذي حصلت بعده على أصوات الناخبين التي أوصلتها للمناصب الرفيعة، واستحدث مجلس الشيوخ لها منصب مستشارة الدولة.



وأرجو من منظمة التعاون الإسلامي أن تسعى من خلال أعضائها لأن يعيد القائمون على نوبل النظر في استمرار منح الجائزة التي انتفت أبسط المبررات لمنحها بعد تغاضي الحكومة البوذية عن المجازر والعنف الجنسي الذي يتعرض له المسلمون بسبب العنصرية والإبادة العرقية.



وأن شعب الروهينجا المسلم يعيش في ظروف تجعلهم أسوأ أقلية في العالم يمارس في حقها التهجير والإبادة العرقية والعنف.



وفي نظرة تاريخية سريعة على دخول الإسلام إلى بورما والتي تسمى اليوم ميانمار نجد أن الهجرات من أصول عربية وفارسية وجماعات من الترك والهنود والبنغال ومسلمي الصين والملايو وصلت البلاد من القرن التاسع الميلادي واستقر أكثرهم في إقليم أراكان حيث يمثلون نصف السكان، كما سكن بعض المهاجرين من المسلمين على حدود إقليم يونان الصيني شمال البلاد، وفي بعض الإحصائيات كانت مدينة باثين مدينة مسلمة بالكامل.



ويتكون المسلمون من مجموعات عرقية أكبرها الروهينجا، ويتركزون في أراكان والبانثاي، وهم مسلمون من أصول صينية، والباشو من أصول الملايو، ومسلمو الزربادي وهم خليط من تزاوج العرب ومسلمي جنوب آسيا مع السكان المحليين.



وقد حكم بورما ثلاثة ملوك هنود مسلمون في القرن الثالث عشر، وخلال فترة الاستعمار البريطاني زاد عدد المسلمين بسبب هجرة الهنود الذين قلت هجرتهم بعد اتفاقية البدين عام 1941 وتوقفت نهائيا بعد استقلال بورما في 1948.



وكان ملوك بورما يختارون المعلمين المسلمين لتربية أولادهم ومثال ذلك أن الملك أناوارتا الذي حكم من 1044 إلى 1077 عين عربيا مسلما لتربية وتعليم ابنه الأمير ساولو الذي تولى الملك بعد أبيه.



وكان للمسلمين دور حضاري واضح في الحياة العامة في بورما، حيث أسسوا منظمات المجتمع المدني للرعاية الاجتماعية والدينية، وشاركوا في القوات النظامية، وكان منهم من وصل إلى مناصب عليا في الحرس الخاص والمدفعية، كما تم تعيين يو شوي أوه أول حاكم مسلم للعاصمة أماربورا.



ويوجد حتى اليوم الجسر الذي يعبر بحيرة تاونج ثامان الذي قام بتنفيذه أحد الوزراء المسلمين في القرن التاسع عشر الميلادي.



واليوم في القرن الواحد والعشرين، وبعد أكثر من ألف عام لوجود المسلمين، يتعرض أحفادهم من قبل الأكثرية البوذية لهذه العنصرية والمعاناة والمآسي والظلم، فالنساء يغتصبن والعائلات تهجر والرجال يقتلون حتى كتابة هذه الأسطر.