ليالي الشتاء تجدد اللقاء

الأربعاء - 23 نوفمبر 2016

Wed - 23 Nov 2016

يكثر في هذه الأيام الحديث عن ليالي الشتاء وجمالها، عن طقوسها وأحوالها، وما هي أفضل طريقة لاستقبالها، وكأن ليالي الشتاء لم تزرهم منذ أعوام، أو أنهم لا يروها إلا في المنام، ألهذا الحد هم مشتاقون، أم فقط يتغزلون، وفي الغالب أن من ينتظرونها بلهفة واشتياق ما إن يبدأ بردها القارس بمهاجمة عظامهم حتى يتمنون فراقها، وهذا حال الإنسان كثير الملل والنسيان.

قد يختلف أو يتفق الأغنياء على حب ليالي الشتاء، فهي بالنسبة لهم نوع من أنواع الترفيه، متى ما أرادوا تخلصوا منها بتشغيل دفاياتهم التي تنسيهم ذلك البرد القارس وكأنه شيء لم يكن، أما البسطاء والفقراء فإنهم بالتأكيد

لا يرحبون بها في بيوتهم، لأنها غير مهيأة لاستقبالها، فهي ضيف ثقيل إن زارت لم تخفف، وإن حكمت لم تنصف، تزيد بيوتهم فقرا وكآبة، وتجعلها موحشة صامتة، لا شيء يتحرك بها سوى ارتجاف عظامهم، ولا صوت يعلو صوت قرقرة بطونهم، يقول فيكتور هيجو: كل شيء جميل في الشتاء، عدا ارتجاف الفقراء.

ربما يليق التخييم في الشتاء أكثر بأصحاب الطبقة المتوسطة الذين يفضلون أن يعملوا كل شيء بأيديهم من جمع الحطب وإشعال النار وتقطيع اللحم والبصل والطبخ وجميع ما تستلزمه تلك المخيمات المتوسطة الجميلة في ليالي الشتاء، أما الأغنياء فأغلبهم إذا خرجوا للتخييم كانت مخيماتهم مجهزة بكافة وسائل الراحة، (حتى كرسي الحمام «أجلكم الله» موجود)، وفيها من يقوم على خدمتهم وراحتهم وكأنهم في فندق خمس نجوم، وأكبر جهد يفعلونه هو المصافحة والكلام، ومضغ الكثير من الطعام، أما الفقراء فلا وقت عندهم لهذه الرفاهية، ولو وجدوا الوقت لما وجدوا المال ليشترون به أقل المستلزمات لهذه المناسبة النادرة، وإذا اجتهدوا مرة واستدانوا لوجدوا أن (البر) هو كذلك يغص بالطبقية، فعلى يمناهم ويسارهم مخيمات أكبر من بيوتهم وأجمل، ورائحة الشواء المتطايرة مع نسمات الهواء الباردة تجعلهم يزهدون في (الشريك) و(النواشف) التي جلبوها معهم، لذلك قرروا عدم تكرارها، واختاروا أن يجعلوا تخييمهم في المرة القادمة على سطح المنزل المتواضع، بين أسطح الفقراء التي لا يجلب هواؤها سوى رائحة الفول والعدس فهما أكرم وأرحم.

هناك أمور يتفق الجميع تقريبا على حبها في ليالي الشتاء، وسأذكر منها: الشهية المفتوحة لتناول الطعام وبالذات الوجبات الساخنة، وكذلك النوم الطويل تحت أغطية البطانيات الدافئة، وأيضا ازدياد الشوق للأحباب، وكأن ليالي الشتاء الباردة كانت قاسما مشتركا لهذه الحكايات، ولذلك هي تستجلب معها بقايا الذكريات، أو لأن لياليها الطويلة تتميز بالهدوء والسكينة فتنبعث الرومانسية الكامنة، وتتفجر المشاعر الخامدة.