منى عبدالفتاح

اعقل مشروعك وتوكل

الأربعاء - 23 نوفمبر 2016

Wed - 23 Nov 2016

تضمنت «رؤية السعودية 2030» التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثلاثة محاور رئيسة هي اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح.



وعندما بدأت الرؤية بمحور الاقتصاد ركزت على الثروة البشرية المتمثلة في الشعب الطموح بفئاته المختلفة. تجيء هذه الرؤية في مرحلة ما بعد النفط. وقد حان الوقت للنظر بإمعان أكثر لهذه الثروة التي لا تحتاج إلا إلى من يتفاعل معها بإيجابية أكثر لأنها الدينمو المحرك ليس للثروات الأخرى فحسب، وإنما لاستنطاقها وترجمتها إلى عمل يسعى بين الناس.



في هذا الوقت الحاسم يدور نقاش عميق حول كيفية الاستفادة من الثروة البشرية والطاقات اللامحدودة من الشباب، فكان ما أكده كثيرون هو ضرورة صقل هذه الطاقات وتوجيه ما يناسب كلا منها حسب قدراته وإمكانياته، فكان الحاضن الأساسي والمكمل للدور هو مؤسسة مسك الخيرية التي استهدفت العقول ببرامج الثقافة والإعلام والتعليم حتى وصلت إلى شراكة مع اليونسكو لدعم الشباب ونشر المعرفة.

ويذهب هذا في إطار الاحتياج إلى تخصصات كثيرة لم ترتق أغلب معاهد التدريب العاملة في المملكة والحاصلة على تراخيص للإيفاء بها. فغالبية المعاهد اهتمت بالتدريب على المهارات متجاوزة التدريب المعرفي، في حين أن الوضع الطبيعي يقدم المعرفة وخطاب العقل الذي هو ما يقوم بتسيير وتوجيه المهارات.



المقصد الأساسي لتمكين المجتمع من التعلم والتطور والتقدم في مجالات الأعمال والمجالات الأدبية والثقافية والعلوم الاجتماعية والتكنولوجية، كما هي أهداف مسك الخيرية، تحتاج إلى شركاء من المجتمع نفسه، فبدلا من أن يكون الشخص منتظرا ومتلقيا يمكن أن يتم ذلك عبر شراكة بينه وبين من يقومون على أمر هذه المشاريع خاصة الصغيرة والمتوسطة لأنها تناسب الغالبية العظمى من المجتمع. وفي المشاريع أيا كان نوعها فهناك فهم ربما يكون مجافيا للواقع وهو أن كل من يفكر في مشروع، فأول ما يتبادر إلى ذهنه هو التمويل، وينسى أو يستسهل أن هذا المشروع يحتاج إلى فكرة ودراسة جدوى، كما يحتاج إلى التخطيط ثم التنسيق حتى يكتسب صاحب المشروع المهارات الكافية التي تؤهله إلى تحدي وحل المشكلات واتخاذ القرارات الصحيحة والقوية ثم التميز في الإنتاج لأي من الخدمات أو المنتجات المختلفة.



فدون خطة مدروسة ودون تدريب موجه، تضيع الكثير من رؤوس الأموال بضعف التدريب، وتتلاشى فرصة صقل وتجويد الأداء، كان يمكن تلافيها ببرامج عملية مباشرة كإدارة المشاريع، أو تأهيلية عامة كبرامج تطوير الذات والقدرات، فهذه ينبغي أن تكون سابقة للتدريب المهاري.



توافق الضالعون في هذا المجال على أن ما يجب التركيز عليه في المرحلة الراهنة لبناء قدرات الإنسان والاستفادة منها هو برامج التدريب المعرفي، ولأن الميل الأكبر لدى الشباب يذهب ناحية المشاريع الاستثمارية التي يستسهلها كثير منهم، تم إهدار الكثير وفشل الآخر بسبب عدم الإلمام بأدق التفاصيل فيها. أي إن النموذج الناجح هو أن يبدأ صاحب المشروع بنفسه ويكتسب المعرفة التدريبية اللازمة لمشروعه قبل الاستعانة بغيره. فهذه المعرفة تدرأ الكثير من قصص الإخفاق وتحد من تخفيض سقف الطموح إلى ما هو دون المطلوب، فليس هناك أنجح من أن يكون صاحب المشروع هو مخدمه وخادمه في الوقت نفسه.



ولا يخفى على أحد تجارب نمور شرق آسيا الاقتصادية مثل اليابان والصين وماليزيا التي وصلت بالتدريب على المشاريع والاقتصاد الحر الذي لا يعتمد على ثروات الأرض الناضبة، مدى بعيدا. فذلك النموذج الفذ ساهم في نمو الاقتصاد الوطني كما ساهم في تخفيف حدة البطالة. بل كان لهذه المشاريع الموسومة بالتميز قدر من التعاليم النبوية الشريفة نحن أحق باتباعها. فقد كان الرد الحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاءه ومعه ناقته وسأله: أأعقلها وأتوكل، أم أتركها وأتوكل؟ فقال له النبي «اعقلها وتوكل»، مؤسسا بذلك علما راسخا في إدارة القدرات والطاقات البشرية.



[email protected]