منى عبدالفتاح

سيدة العالم والوصاية

الأربعاء - 16 نوفمبر 2016

Wed - 16 Nov 2016

لم يتفق الناس على مدار الكرة الأرضية على شيء مثلما اتفقوا على عدم تقبل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. ويتبادر إلى الذهن استفسار بسيط وهو إذا كانت كل هذه الجموع تحتج على فوزه، فمن الذي انتخبه؟ بالطبع الإجابة لن تكون بنفس بساطة السؤال، ولكن فرانسيس فوكوياما ونهايات تاريخه التي لا تنتهي أنبأنا قبل عامين أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من التسوس السياسي. وهذا لعمري قالب بديع لصك المصطلحات المعبرة.



لم تترك مراكز الفكر الأمريكية شيئا للصدفة وقامت قبل ظهور النتيجة بتحليل هذا الفوز رغم استبعاده، تحليلا منطقيا بأن ترامب قد يفوز بأصوات الطبقة العمالية أو أصحاب الياقات الزرقاء، وذهبت بعد فوزه إلى أكثر من ذلك بأنه فاز في صناديق الاقتراع فقط لكن شعبيا فالنصر لهيلاري.



هناك افتراض جرى به حبر غزير في وديان الصحافة الأمريكية ودهاليزها التحليلية في الأعوام الماضية، من أن دور الولايات المتحدة بدأ في التراجع بسبب تفاقم الأزمات الداخلية والخارجية، وأنها تفضل الانكفاء على الداخل تاركة الملعب الخارجي لروسيا بوتين وحلمه في إعادة مجد الاتحاد السوفيتي الآفل، مشاركة مع قوى صاعدة مثل الصين.



الواقع أنه لا تحتاج الإدارة الأمريكية لأن تثبت أو تنفي شيئا، فمنذ أن طرحت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش مشروع الشرق الأوسط الكبير في عام 2004 على مجموعة الدول الصناعية الثمانية، وهي لا تستطيع الابتعاد عن المنطقة، بل هي منذ ذاك الوقت في حالة سعي بين صفا الدبلوماسية ومروة الخيار العسكري المخبوءة أشواطه الإضافية للضرورة.



وإذا كنا نلاحظ أنه ثمة انكماش في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام 2009 عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، وإطلاق «استراتيجية إعادة التوازن» في آسيا والمحيط الهادئ، فهي لا تعبر بشكل واضح عن انسحاب حقيقي ولكن في ظل غياب الخصم تقل المنافسة.



فليس صحيحا تماما أن الشرق الأوسط يدخل عهد ما بعد أمريكا، وما يحدث الآن من عدم الاعتناء الأمريكي الكامل بدعم التنمية وتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لا يشي بحال من الأحوال بتراجع النفوذ والسيطرة الأمريكية، فالشرق الأوسط بالنسبة لأمريكا هو جنتها وجحيمها، وليس بإمكانها غض الطرف عما يحدث فيه كلية، ولكنها تنتهز الفرصة لتوليد المستقبل من رحم الفوضى الخلاقة بطريقة أشبه للطبيعية. تنتهج السياسة الأمريكية طريقا جديدا يسهل لها الوصول إلى ذات النتائج في المنطقة ذات التعقيدات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية.



استفاد النهج الأمريكي من تجارب سابقة استهلكت فيها أمريكا كثيرا من إمكانياتها ومواردها، وليس من الحكمة تجريب المجرب مرة أخرى، خاصة إذا كان بمقدورها سلك طرق جديد تحافظ به على مصالحها في المنطقة دون إهدار الكثير من الموارد. وهذه الطرق ستكون في صدارتها إسرائيل التي وعد ترامب أنه سيكون مع حمايتها وأمنها إلى الأبد.



فرصة ترك أمريكا للشرق الأوسط الجديد في طور التشكل الآن بفضل الفوضى الخلاقة، والآلية للسماح لهذا النمو الطبيعي، هو إتاحة الفرصة للتعبيرات المختلفة اجتماعيا وأيديولوجيا وطائفيا وإثنيا لتظهر من خلف الأضابير بأي شكل تختاره. ما ستفعله الإدارة الأمريكية في هذه الأثناء هو كبح جنون ترامب، ولو موقتا حتى يتاح لها مراقبة وتحليل صراع هذه القوى مع بعضها بعضا حتى إذا ما تم انتصار إحداها، تبرز الرؤية الأمريكية التي فرضت هذا النهج من خلف ستار لتحال المنطقة بأكملها إلى وصاية «الشيطان أمير العالم» أو كما قال وليم جاي كار الخبير في كشف المخططات السرية وسياسة صنع الحروب وحبك المؤامرات من أجل السيطرة على العالم أو القضاء عليه.



[email protected]