حركات الشارع الاحتجاجية

هذا المقال ليس مع أو ضد التحرك الذي يقوم به حزب حركة الإنصاف وحزب الشعب الباكستاني والاحتجاجات الشعبية التي تجري الآن. يهدف المقال إلى دراسة دور وفعالية مثل هذه الحركات في الإطار الديموقراطي.

هذا المقال ليس مع أو ضد التحرك الذي يقوم به حزب حركة الإنصاف وحزب الشعب الباكستاني والاحتجاجات الشعبية التي تجري الآن. يهدف المقال إلى دراسة دور وفعالية مثل هذه الحركات في الإطار الديموقراطي.

الجمعة - 29 أغسطس 2014

Fri - 29 Aug 2014



هذا المقال ليس مع أو ضد التحرك الذي يقوم به حزب حركة الإنصاف وحزب الشعب الباكستاني والاحتجاجات الشعبية التي تجري الآن. يهدف المقال إلى دراسة دور وفعالية مثل هذه الحركات في الإطار الديموقراطي.

أولا: حركات الشارع الاحتجاجية ضد الأنظمة الدكتاتورية فشلت غالبا لأن الحكام المستبدين يستخدمون القوة الوحشية لقمع الانتفاضات. هناك شواهد كثيرة على هذا مثل ما حدث في العراق في عهد صدام حسين وما يحدث في سوريا حاليا. الحالات التي أدت فيها مثل هذه الحركات إلى الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية هي التي كان فيها تدخل خارجي سري أو علني من حيث توفير كل أشكال الدعم، كما حدث في ليبيا مثلا. في الدول التي لم تترسخ فيها الديموقراطية بشكل قوي، فإن قوة الشارع مع دعم سري أو علني من الخارج ظاهرة شائعة أيضا. لنأخذ باكستان على سبيل المثال. الإطاحة بأيوب خان عجلت بها احتجاجات الشوارع، والتي قادها ذو الفقار علي بوتو، في أنحاء البلد كافة. وسقوط بوتو بدوره كان بسبب الاحتجاجات الشعبية التي قادها الائتلاف الوطني الباكستاني في 1977. كما لعبت احتجاجات الشوارع دورا كبيرا في إسقاط حكومتي بنازير بوتو ونواز شريف في تسعينات القرن العشرين. وفي الخارج، انقلبت الثورة البرتقالية في أوكرانيا في 2004 على نتائج الانتخابات التي فاز فيها فيكتور يانوكوفيتش، مما قاد إلى إعادة الانتخابات وفوز منافسه فيكتور يوشنكو. وفي 2014، أطاحت انتفاضة شعبية كبيرة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، الذي كان قد فاز في انتخابات 2010. ثورة القمصان الحمراء في تايلاند أطاحت بالحزب الذي كان قد فاز في الانتخابات، ومنذ ذلك الحين أطاحت انتفاضات بألوان مختلفة بأنظمة متعددة عن طريق استخدام قوة الشارع.

من وجهة نظر تاريخية، في الأزمة الحالية في باكستان، محاصرة الجماهير التي يقودها حزب حركة الإنصاف وحزب الشعب الباكستاني لمؤسسات حكومية رئيسة ويطالب مؤيدو هذه الاحتجاجات بالإطاحة بنواز شريف الذي كان قد فاز في الانتخابات الديموقراطية، هي أعراض وليست السبب الحقيقي. السبب الحقيقي للدعم الشعبي لقادة هذه الأحزاب المعارضة، عمران خان وطاهر القادري، هو اعتقاد المحتجين بسوء الحكم الذي يمارسه الحزب الحاكم الذي كان قد وعد بتحقيق أمور كثيرة خلال الانتخابات ولم يتمكن من تحقيق إلا أمور قليلة جدا، بالرغم من ادعاءات الحزب الحاكم أنه حقق إنجازات كبيرة. هناك إجماع على أن البلد في وضع أسوأ اليوم مما كان عليه خلال فترة حكم زراداري الذي يعتقد معظم الناس أنه أوصل البلد إلى الحضيض بسبب سوء الحكم والفساد.

إن الدكتاتوريين لديهم القدرة على قمع أي تمرد مدني من خلال استخدام قوة الدولة، خاصة القوات المسلحة، لأن صعودهم إلى السلطة في معظم الأحيان كان مدعوما من الجيش؛ وكثيرون منهم في الواقع كانوا على رأس المؤسسة العسكرية القوية عندما وصلوا إلى السلطة. الإطاحة بهم يصبح ممكنا عندما تلقي القوى الدولية الكبيرة بثقلها وراء التمرد. أما في الأنظمة الديموقراطية، فإن هذا الخيار لا يكون متوفرا إلا نادرا لأن القوات المسلحة تتردد في استخدام القوة ضد المدنيين العزل حتى إذا تلقت أوامر من الحكومة. زراداري استطاع أن يستمر بسبب مناوراته السياسية الذكية التي سمحت له ولحزبه بإكمال فترة السنوات الخمس في الحكم، لكن البلد وصل إلى حالة مزرية خلال تلك الفترة بسبب الفساد. أما نواز شريف فلا يبدو أنه يتمتع بنفس المهارات في المناورات السياسية. فترته الثالثة تواجه خطرا داهما بعد سنة من وصوله إلى السلطة، وحتى لو نجا من الأزمة فإنه سيكون ضعيفا.

ضوء وعدم فعالية الحكم وحزبه ربما لم يؤديا إلى فعالية الاحتجاجات الشعبية، لكن قتل 14 شخصا من مؤيدي طاهر القادري أمام منزله في لاهور على يد شرطة البنجاب أمر لم يتقبله الباكستانيون على الإطلاق. هذه الحادثة أشعلت غضب الناس ضد السلطة الحاكمة بقيادة نواز شريف وشقيقه شهباز شريف. هذا الغضب لا يزال يغذي النار في التمرد الذي تشهده شوارع باكستان حاليا بالرغم من التناقضات الواضحة بين المطالب والأفعال. فشل حزب نواز شريف في التعاطي مع الأزمة سياسيا واللجوء إلى القوة سيكون السبب في سقوط الحزب وزعيمه.

إن الحكم الجيد هو الترياق الشافي الوحيد ضد التمرد المدني واحتجاجات الشوارع. عندما يغيب ذلك، فإن المخاطر على الحزب الحاكم ستنبع من الداخل بشكل أو بآخر.