أمريكا وإيران والبحث عن التوازن العقيم في الشرق الأوسط

 

 

الاثنين - 25 أغسطس 2014

Mon - 25 Aug 2014



خلال سعي الولايات المتحدة للمصالحة مع إيران، أغضبت حلفاءها، مما ساهم في مزيد من الفوضى في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضي.

الحلفاء التقليديون لأمريكا في جميع أنحاء الشرق الأوسط شعروا بالخذلان من سياسات الرئيس باراك أوباما، وهو ما يدفع إلى هذا السؤال المشروع: ما الذي دار – ولا يزال - داخل عقل أوباما؟الجواب بسيط بقدر ما هو مستغرب: حلم المصالحة التاريخية مع إيران، والإقامة الآمنة مع الحوت الأبيض العظيم، وأي صراع آخر في المنطقة يهون ويتضاءل بجوار هذا الهدف، بما في ذلك الصراع العربي – الإسرائيلي.

تلك باختصار استراتيجية أوباما في الشرق الأوسط، حسبما يقول الكاتب مايكل دوران، وهو زميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز، في مقال نشرته مؤخرا مجلة “موزاييك”.

خلال العقود الأخيرة من الحرب الباردة وضع رؤساء أمريكا على التوالي قاعدة “نحن” و”هم”، أو فريقنا والفريق الضد.

واستمرت هذه القاعدة تعمل عملها في منطقة الشرق الأوسط حتى بعد سقوط جدار برلين، حيث تحول الفريق الضد من المعسكر السوفييتي بعد عام 1989 إلى ما يسمى “تحالف المقاومة الإيرانية” التي تضم مجموعة من الوكلاء والشركاء: سوريا وحزب الله وحماس.

لكن أوباما تخلى عن هذه القاعدة تماما، وواجه النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة بالبلاغة الكلامية، ولم يفكر أبعد من ذلك.

وفي يناير الماضي 2014، تفتق عقله عن فكرة ارتجالية وغير دقيقة، وهي: إيران من الممكن أن تصبح قوة استقرار في الشرق الأوسط المضطرب.

ويقول رئيس تحرير “نيويوركر” ديفيد ريمنيك: كنا نتوقع أن تتصرف إيران بطريقة مسؤولة، وأن نحقق التوازن بين دول المنطقة وإيران، بدلا من التنافس بينها أو الحروب بالوكالة التي أشعلت المنطقة.



 



افتراضان خاطئان



وسيطر على عقل أوباما اثنان – على الأقل – من الافتراضات الخاطئة في هذا التفكير:




  • 1- إيران قوة إقليمية (دفاعية) في الشرق الأوسط المضطرب قد تكون حليفة قوية للولايات المتحدة في مواجهة “التطرف السني”.


  • 2- إيران قد تدافع عن مصالح أمريكا بتخفيف العداء التاريخي المتأصل عن طريق كبح جماح “حزب الله” و”حماس”. وباختصار فإن أوباما اعتقد أن السياسة في الشرق الأوسط يمكن أن تدار عبر “مائدة مستديرة” تجمع الجميع حولها على قدر من المساواة، وبالتالي تصبح مهمة الولايات المتحدة (فقط) تضييق الفجوات بين الخصوم في محاولة لتحقيق النظام والاستقرار المتوازن في المنطقة.



 



خسارة الحلفاء



هذا المنطق يكشف بشكل صارخ عن: كيف أدت صفقة أمريكا مع إيران إلى خسارة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، الذين يملكون رؤية سياسية مختلفة جدا عن رؤية أمريكا.

الجميع في الشرق الأوسط، لا ينظر إلى السياسة على أنها “مائدة مستديرة” وإنما – وفي أفضل الأحوال – باعتبارها “مائدة مستطيلة” يصطف على جانبيها فريقان مختلفان جذريا، كل مع فريقه، إيران ووكلاؤها في سوريا وحزب الله في لبنان وحماس في غزة، وحلفاء واشنطن في المنطقة على الجانب الآخر، وأنهم (جميعا) يتوقعون من الولايات المتحدة أن تنضم لجانبهم هم وأن تعمل لصالحهم وترجح كفتهم.

كما يرون شيئا آخر، هو أن الانقسامات في الشرق الأوسط أصبحت معقدة للغاية ومتعددة ومتشعبة ومتداخلة، وهو ما يجعل رؤية أمريكا قاصرة وضيقة.

فإلى جانب الخلاف والتنافس الإقليمي بين إيران وخصومها، هناك حلف جديد معارض يمتد من الإخوان المسلمين في مصر إلى تركيا وقطر وحماس في غزة.



 



مكاسب إيران



الأخطر من ذلك، ليس تقلب الدبلوماسية الأمريكية بين المبادرات المتصارعة في المنطقة من قبل مصر وقطر وتركيا وإنما تعويله على إيران في لعب ولو دور بسيط في تسوية الصراع، وهو ما يكشف عن أن نهج “المائدة المستديرة” في السياسة الخارجية الأمريكية والبحث عن التوازن العقيم، بما يعمل لصالح إيران وبشكل تلقائي هو السائد للأسف.

لا عجب إذن في أن سياسة أوباما في الشرق الأوسط هي في حالة من الفوضى أو قل هي المسؤولة عن هذه الفوضى! ومن المستحيل أن تنجح هذه السياسة دون شركاء، وطالما ظلت عازمة على تمكين إيران فإن هؤلاء الشركاء لن يكونوا كذلك أبدا.

وستظل الفوضى والمذابح في المنطقة هي الشاهد الأكبر على فشل السياسة الأمريكة في عهد أوباما.



 



وهم كبير



في وقت مبكر من تنصيبه، قرر أوباما سحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، وإنهاء الحروب في الشرق الأوسط الكبير.

واختار استراتيجية “المائدة المستديرة” لتحقيق الاستقرار والتوازن.

ثم اكتشف الجميع – باستثناء أوباما وإدارته – أن التوازن مع إيران ما هو إلا “وهم كبير”، وبدلا من إنهاء الحروب تكاثرت الحروب وتعددت بما لا يمكن أن يقاس قبل توليه رئاسة الولايات المتحدة.

الشرق الأوسط تراجع خطوات إلى الوراء وسيستمر في التراجع لسنوات مقبلة، وهو يدفع تكلفة غالية نتيجة سياسات خاطئة لا سيما “فريقنا” أو قل حلفاء الولايات المتحدة نتيجة كسرها قاعدة: “نحن” و”هم” وتقاربه مع إيران أو (السراب).

لقد انهارت ليبيا وسوريا واحترقت غزة، أما “داعش” فهي تدق الخلافة الإسلامية في أبواب العراق وسوريا ولبنان اليوم والأردن غدا، تاركة الرؤوس المقطوعة على الأرض والجثث التي لا تعد ولا تحصى، فضلا عن أنهار من الدماء بين دمشق وبغداد.



 



.. والغرب يبدو عاجزا عن أي شيء إلا "فرك الأيادي"



ما أشبه اليوم بالبارحة: «المصابيح تنطفئ في معظم أنحاء الشرق الأوسط»، عبارة تستعيد زخمها الآن، قالها السير إدوارد جراي، محذرا أوروبا قبل مئة عام، حقا إن الموت على الأبواب!ويقول مدير مجلس تعزيز التفاهم العربي – البريطاني كريس دويل في شهادة نشرت في الإندبندنت أخيرا، إن مناطق الهدوء والاستقرار في الشرق الأوسط أصبحت مثل واحات صغيرة وسط العواصف النارية.

العديد من البلدان أصبحت دون أضواء.

غزة محرومة من الكهرباء باستثناء ساعتين يوميا، أما اليمن فإن انقطاع الكهرباء هو الأسوأ على الإطلاق أو قل هو عرض مستمر مما أدى إلى مزيد من الاضطرابات والاحتجاجات الكثيرة، ولكن الأخطر من كل ذلك هو أن أضواء التعددية والديموقراطية ووعود الليبرالية السياسية التي أضيئت أنوارها في 2011 في المنطقة أنطفأت بالكامل، ليعود توأم الوحشية الظلامية من جديد: الديكتاتورية المتوحشة، ووحش التطرف الديني – الطائفي.

سوريا والعراق تم تقسيمهما بالفعل وأصبحا غير قابلين للحكم من أي نوع، وفي أفضل الأحوال هما في غرفة الانتظار للحصول على وضع «الدولة الفاشلة»! أما ما يسمى بالخلافة الإسلامية أو «داعش» أو الدولة الإسلامية، فهي في الواقع لا تشبه أي خلافة إسلامية في الماضي على الإطلاق، رغم أنها تغطي مساحات شاسعة آخذة في التوسع (أكبر من المملكة المتحدة)، بما في ذلك 35% من مساحة سوريا، ناهيك عن ليبيا التي تعربد فيها الميليشيات الإرهابية المتناحرة.

الفلسطينيون في قطاع غزة يتعرضون للمرة الرابعة منذ 2006 لأكبر عداون إسرائيلي وحشي من أكثر الجيوش تطورا في العالم، ضد السكان الأبرياء الذين يعيشون في الأسر أو أكبر سجن في العالم المعاصر حيث تحولت بيوتهم وأحياؤهم مؤخرا إلى مقابر جماعية، وباختصار أصبحت شقوق الجبال المهجورة في الشرق الأوسط نعيما لا يحلم به الكثيرون هربا من جحيم الصراعات في الوادي السهل والمدن الحديثة.

أما بقية الدول والمناطق التي تتمتع بالهدوء النسبي الآن في الشرق الأوسط، فقد اكتظت بمخيمات اللآجئين، لبنان والأردن حيث تستضيف اليوم – على الأقل – ما يقرب من مليوني لاجئ سوري فقط، فضلا عن 2.5 مليون فلسطيني من قبل.

كما تواجه تونس نزوحا شاملا لليبيين في حين أن كردستان العراق استقبلت أكثر من 300000 ألف نازح عراقي منذ يونيو الماضي فقط، فضلا عن 220000 ألف لاجئ سوري.

في كل الأحوال فإن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بسرعة الصاروخ، حيث من المتوقع أن يصل عدد اللاجئين السوريين إلى أربعة ملايين بحلول نهاية العام، ورغم كل النداءات الإنسانية المتكررة فإن النقص في التمويل والمساعدات وأعمال الإغاثة هو سيد الموقف!هل الأمور ستزداد سوءا؟ سؤال مثير للقلق.

القتال في لبنان أخيرا (عرسال بوادي البقاع الشمالي) هو مثال آخر على: كيف تهدد الأوضاع المأساوية في دول الجوار (سوريا) بانتقال الأزمات وامتدادها؟وللأسف الشديد (والأسى أيضا) رغم أن العالم ينظر بأم عينه للأزمات المتلاحقة في الشرق الأوسط أو قل هذه المنطقة الحيوية والمصالح العالمية الاستراتيجية من الطاقة والتجارة والاقتصاد، فقد كان الحد الأدنى المتوقع هو أن يستجيب العالم بسرعة وفعالية لحل هذه الأزمات، اكتفى الغرب بفرك الأيدي، تعبيرا عن العجز وقلة الحيلة!الفشل هو أولا وقبل كل شيء بفضل القيادة على المستويين الدولي والإقليمي.

لقد فشل كبار السياسيين والقوى الدولية في الغرب والشرق الأوسط على السواء في تقدير أن معظم سكان المنطقة من الشباب، ويشكلون الغالبية العظمى من حيث التطلع والطموح والآمال واليأس والإحباط أيضا، اليوم نحن ننتقد الرئيس أوباما وحده على ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة ونتجاهل ما فعله الرئيس بوش الابن وتوني بلير في العراق منذ 2003 لقد دمرا البلاد والمنطقة لاحقا، ولم يمتلكا أي استراتيجية على الإطلاق سوى التدمير، وتم تخفيض النقاش حول مستقبل أهم مناطق العالم الساخنة إلى: هل نقصف العراق أم لا؟إن عجز القيادة السياسية في العالم اليوم يتمثل في عدم تقديرها للوضع على الأرض وتقييمها السليم للأمور، وعلى سبيل المثال: الصدمة التي انتابت الجميع ولا تزال، سببها أنه لم يتوقع أحد أن انتفاضات ما يعرف بالربيع العربي عام 2011 ستؤول إلى ما آلت إليه، ولا حتى سرعة استيلاء «داعش» على المدن الرئيسة في العراق مثل الموصل، مما يؤكد عدم وجود أي نوع من التقدير السياسي والحكمة الجماعية العالمية، فقد تصور الجميع خطأ أن النظام الإقليمي حين يتخلص من الطغاة والمستبدين سيصبح أكثر استقرارا وراحة للجميع في النهاية، وليس مصدرا متأججا بالصراعات الدولية مستقبلا!الساسة والدبلوماسيون ووسائل الإعلام في العالم يركزون على أزمات المنطقة (بالقطعة) مرة غزة، ومرة العراق، ومرة سوريا، ومرة ليبيا، ولكنهم لا يستطيعون رؤية منطقة تحترق بالكامل، ناهيك عن ردود الأفعال البطيئة والثقيلة من القوى العالمية والأطراف الدولية الفاعلة، حيث الجميع يدعي أن خياراته مقيدة! وأنه لا يوجد أي حل سياسي لمشاكل وأزمات المنطقة، لذا أمر أوباما بمجرد ضربات جوية محدودة لداعش في العراق، لا أن يوقف المجازر التي ترتكب يوميا من ليبيا إلى غزة وسوريا وصولا إلى اليمن.

وهو نهج قصير النظر مثل تعيين الغرب ممثلين له في العراق وسوريا وليبيا دون رغبة شعوب هذه الدول، وكأن العقلية الاستعمارية لا تموت بسهولة من بريطانيا العظمى وفرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين إلى الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين.

الاستجابة الوحيدة العالمية والفعلية تقاطعت عند نقطة واحدة هي أوكرانيا وليس الشرق الأوسط، حيث شرعت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالبدء في حرب باردة جديدة انطلاقا من أوكرانيا!تزامن الأزمة الأوكرانية مع نهاية محادثات جينيف الثانية بشأن سوريا، حطم الآمال أمام أي تقدم سياسي في أزمات المنطقة إذ صدرت التعليمات بعدم تقديم تنازلات ولو شبر واحد من روسيا.

أكبر الخاسرين في المنطقة أولئك الذين راهنوا على القيم الغربية وتصورا أن الغرب سوف يدعمهم في الشرق الأوسط، لقد تم سحق جميع قوى التعددية والليبرالية في المنطقة بدءا من عام 2011 .. لقد دعمت الولايات المتحدة وأوروبا الاحتجاجات السلمية العربية في البداية ولكنها سرعان ما تخلت عن كل هذه الوعود والقيم وأخلت مكانها لقوى التطرف الديني والطائفي الدموية حين شعرت أن مصالحها في خطر داهم.

ستظل المصابيح تضاء بالنار في الشرق الأوسط وليس بالنور، حتى تولد استراتيجية دولية واضحة المعالم موحدة وطموحة.