محمد العوفي

التعامل الحكومي مع القطاع الخاص!

الخميس - 10 نوفمبر 2016

Thu - 10 Nov 2016

في الأشهر الماضية كان القطاع الخاص قاب قوسين أو أدنى من الانهيار أو حتى الإفلاس في بعض الشركات؛ نتيجة تأخر الحكومة في تسديد الدفعات المستحقة له (قطاع المقاولات تحديدا)، وكان السبب في ذلك هو توجه الحكومة نحو تقليص العجز المالي في الميزانية، والحد من شح السيولة، حتى بدأت ملامح الوهن والضعف تدب في القطاع الخاص، بدءا من التوقف عن دفع رواتب الموظفين والعاملين، مرورا بتسريح البعض منهم، وانتهاء بتوقف بعض المشاريع لعجز بعض المقاولين عن توفير السيولة اللازمة لتمويل احتياجاتها، وعلت الأصوات المطالبة بتسريع سداد مستحقات القطاع الخاص.



وكان من المتوقع ألا يستمر تأخر مستحقات القطاع الخاص طويلا، لأن الحكومة تدرك تداعيات تأخير هذه الدفعات أكثر من اللازم، وأن تكلفة هذا التأخير ستكون كبيرة عليها وعلى القطاع الخاص، ولا سيما أنها تعول على القطاع الخاص كثيرا في برنامج التحول الوطني 2020، ورؤية السعودية 2030، ليكون رائد الحركة التنموية الاقتصادية يتحمل عبء التنفيذ والتشغيل مستقبلا، وأن ترتفع مساهمته في الناتج المحلي من 40% إلى 65% بحلول عام 2030.



لذا كان البيان الصادر من الاجتماع الأخير لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية حول ضرورة الانتهاء من الإجراءات اللازمة لإتمام دفع المبالغ المستحقة على الخزينة العامة للدولة للقطاع الخاص، وتسريع صرف مستحقات القطاع الخاص قبل نهاية ديسمبر المقبل، وإطلاق منصة الكترونية لأتمتة إجراءات صرف المستحقات والحرص على تحقيق أعلى درجات الشفافية فيها أول خطوة لإعادة الحياة في القطاع الخاص، والمحافظة على نموه، ليستطيع في أقل الأحوال الوفاء في سنوات التحول بما عليه من التزامات، وما سيفرض عليها من رسوم، ولا سيما أن وزارة الشؤون البلدية والقروية أقرت خلال الأسبوع جملة من الرسوم الجديدة على القطاع الخاص.



غني عن القول إن الفوائد المتوقعة من هذا القرار تشمل كل القطاعات دون استثناء، وإن تأثيرها على الدورة الاقتصادية سيكون واضحا، لأنها ستسهم في إعادة دورة العمل والإنتاج للشركات الوطنية، وتمكن الشركات من دفع ما عليها من حقوق والتزامات تجاه الجهات الممولة والموردة، كما تمكن الشركات المتأخرة من دفع الرواتب من الانتظام في الدفع صرف رواتب العمالة، كذلك الحد من نزيف الاستغناء عن العمالة الوطنية والوافدة، وإعادة تمكين الشركات من الاقتراض البنكي بعد تراجع مديونيتها، وإيقاف خروج الشركات والمؤسسات من السوق، وإنهاء العديد من القضايا المرفوعة على الشركات في المحاكم.



والمحصلة النهائية من هذا كله هي إعادة الثقة في الاقتصاد السعودي، ومحاولة تنشيط الاقتصاد، وإخراجه من مرحلة الركود الحالية، وتجاوز القطاع الخاص لتحديات مرحلة شح السيولة بأقل خسائر مالية وهيكلية.



والأهم من ذلك كله أن الحكومة في بيان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أسست لمرحلة جديدة من التعاطي مع مشاريعها الحكومية المستقبلية، من خلال ربط تنفيذها في الموازنة بين العائد والتكلفة، فلا مجال للمشروعات ذات التكلفة العالية التي لا تحقق قيمة اقتصادية تضاهي أو تقابل هذا الإنفاق المرتفع، ومنها يفهم ضمنيا أن التعامل مع القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات الحكومية المستقبلية سيكون أكثر حزما، ولن تكون هناك تجاوزات كبيرة في العقود الحكومية، وأنه لا مجال للتعثر أو التأخر في التنفيذ تحت أي ظرف، لأن التأخير أو التعثر يعني إضافة تكاليف جديدة، وهو ما لا تريده الحكومة في المرحلة المقبلة.



والنقطة الأخيرة التي أتمنى أن تكون عنوانا يضاف للمرحلة المقبلة، هي دراسة تكاليف المشاريع الحكومية بدقة، فالمبالغة في تكاليف كثير من المشاريع لا تزال إحدى سمات المشاريع الحكومية، ويظهر ذلك جليا عند مقارنة تكاليف هذه المشاريع بتكاليف نظيراتها في الدول الخليجية المجاورة، بما يوحى أن هناك هدرا ماليا مسكوتا عنه، ولا سيما أن التكاليف المبالغ فيها تقلل من القيمة والمردود الاقتصادي لكثير من المشاريع الحكومية.



[email protected]