وعي المجتمع السعودي بذاته

الأربعاء - 09 نوفمبر 2016

Wed - 09 Nov 2016

نتيجة لاكتشاف النفط، مر مجتمعنا السعودي بتغيير اجتماعي جذري في انتقاله من الحياة البدوية والريفية القروية إلى حياة المدن ذات القوالب الجاهزة، دون المرور بالمرحلة «الصناعية» والإنتاج، بعد مستويات متذبذبة من الطفرة «المالية» التي عاشتها المملكة على مدى 50 عاما. ولكن لم تسهم هذه الطفرة في التحوّل إلى المدنية الاجتماعية، كما لم تسهم في التنمية بشكل متوازن حيث تركزت على المدن الرئيسة نظراً لطبيعة تكوينها الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي المؤهل لاستقبال الطفرة ومآلاتها. ومن أهم سمات هذه الطفرة هي «الريعية» التي كانت فيها حاجة الفرد الكاملة للحكومة على المستوى الوظيفي والعمل التجاري الحرّ على السواء، حيث إن خصائص تطوير الإنتاج وتنمية الفرد مهنيا أصبحت من الأمور التي لا تعنيه في احتياجاته، إذ اعتمد على «ريع» الدولة وإيراداتها وما تجود به الفرص فيها عليه لتحقيق الثراء المفاجئ، رغم أن هذه الفرص لم تكن متكافئة بالنسبة لكل المواطنين ولا كل المناطق، وكان المواطن مستقبلا لا فاعلا في هذه المعادلة الريعية، وكانت الدولة أيضا غير رافضة لاعتماد المجتمع الكلي عليها بهذا الشكل الاستهلاكي الذي صنع عائقا حضاريا تمثل بعدم وجود استراتيجيات صحيحة للتنمية المتضمنة تحديث المجتمع وتطويره فكريا واجتماعيا. وأسهمت هذه النزعة الريعية الاستهلاكية بتشوّه وعي المجتمع السعودي بذاته، حيث نمت قيم التشدد- بدلا من انحسارها - على عدة مستويات دينيا واجتماعيا أفرزتها عدة عوامل لتفاعل الاقتصاد والسياسة، وكان أبرزها ثلاثة منعطفات تاريخية: الثورة الخمينية، والحرب الأفغانية، وحركة جهيمان. ما زالت هذه المنعطفات الثلاثة تؤثر في الفكر الجمعي لتزيد من عدم وعي المجتمع بذاته كجزء من التاريخ البشري والحضارة الإنسانية يؤثر ويتأثر ويسهم في تحوله إلى مجتمع منتج، ليس على مستوى الإنتاج المادي فحسب، بل على مستوى الإنتاج الفكري والثقافي أيضا. وتمثّل المرحلة التاريخية الراهنة فرصة للخلاص الصعب من الارتهان للماضي، فالواقع الحالي يمثل تحديا في تعميق فكرة الوعي العام بشكل صحيح أولا، تسبق فكرة محاولة تحويله إلى مجتمع منتج في ظل سيادة القيم السائدة المفضية إلى عدم وعي الفرد بمسؤوليته الوطنية ودوره المأمول في إدارة المجتمع. ورغم العديد من المتغيرات الثقافية والسياسية والتقنية التي نعيشها، ما زال العالم يرانا بأننا نعيش في القرون الوسطى، ما لم ير تحديثا حقيقيا يتجاوز أسلوب الاستهلاك التجاري لوسائل الخدمة والتقنية والترفيه إلى تحديث العقل نفسه؛ بمعنى تغيير طريقة التفكير والتصرفات والسلوك لتكون مواكبة لتجليات الحضارة في العالم المتقدم. على هذا الأساس تبرز ضرورة مشاركة المجتمع في إصلاح ذاته، من خلال رؤيته للبديل المستقبلي المناسب عن الاتكالية على ريع النفط والعمل الحكومي، وتقييمه للخيارات المطروحة التي يفترض أن توفر تكافؤ الفرص للجميع، ضمن أولوية المواطنة والوحدة الوطنية، بدءا بأسس العلاقة بين الدولة والمجتمع تجعل الفرد يعي علاقته بذاته وعلاقته بالآخرين، بحيث يؤمن بوجوده بينهم سواء كان مختلفا أو متفقا معهم ضمن إطار التعايش الإنساني ومقومات الحضارة الحديثة المتمثلة باحترام الحريات العامة، والأمن الوطني، والرخاء الاقتصادي. ولكي يتعمق هذا الوعي لا بد من طرح موضوع «التنمية» كفعل منتج لا كشعار متغير بمختلف العصور، وهذا يرتبط بقوة بكون المواطن السعودي شريكا موثوقا به في التخطيط للتنمية وإدارة المجتمع، ولا سيما أن الوعي بالواقع السياسي لدى الفرد أصبح أكثر من وعيه الاجتماعي، وهذا ما يستوجب ردم الهوة بالثقة والشراكة ورسم الخطوط العامة للمستقبل الذي نريد.