رضيع عمره ستة وعشرون عاما

الأربعاء - 02 نوفمبر 2016

Wed - 02 Nov 2016

وأخذت الدولة أخيرا أول خطوة لها فيما يخص ملف قيادة المرأة السعودية بعد أن قطع المناضلون والمناضلات من أجل هذا الحق البسيط مشوار الألف ميل بخطواتهم المثقلة بالعوائق في مضمار مفروش بالأشواك. لم يكن سهلا استمرار ذلك النضال بشتى وسائله لستة وعشرين عاما، وكل عام يجر العام الذي يليه إلى سلة الإحباط وخيبة الأمل. خلال ما يزيد عن ربع قرن رحل من رحل ممن بدؤوا المطالبة وبقي المناضلون واستسلم اليائسون وانضم المتفائلون. كان يفترض أن أكون اليوم في الرياض لحضور جلسة الشورى، لكن شاءت الأقدار أن يمرض ابني مما دعا لإلغاء كل الترتيبات والبقاء بجانبه.



الاثنين 31 أكتوبر 2016 - احفظوا تاريخه - تم طرح ملف قيادة المرأة السعودية للنقاش على طاولة الشورى لأول مرة في تاريخ القضية والمجلس معا. في ذلك اليوم ناقش المسؤولون رسميا أن تقود المرأة سيارتها لأول مرة في تاريخ الدولة..!



31 أكتوبر هو يوم تاريخي - اسمحوا لي - فالقضية ليست بتافهة والحدث ليس تحصيل حاصل. ربما بدا كذلك لمن لم يعان من تبعات الحرمان من هذا الحق، ولمن لم يخسر من وقته وجهده وراحة باله وحريته شيئا مقابل المطالبة بهذا الحق، ولمن يجهل تاريخ رفض محاولات طرح الملف للنقاش على طاولة الشورى، لكن لسواهم فـ 31 أكتوبر تاريخي والحدث سابقة لها وزنها.



فكروا معي قليلا، هل تتوقعون أن الموافقة على مناقشة القضية رسميا جاءت بمحض الصدفة أو بلا انتباه! بعد أن كان مجرد اقتراح مناقشتها تحت قبة المجلس مرفوضا رفضا قاطعا رغم المحاولات المتكررة لعدد من أعضاء الشورى الفاعلين من ذكور وإناث.



في ذلك اليوم دقت ساعة الصفر فرحب رئيس المجلس بالزوار وفتح الملف الأحمر - عساه أن يغلق على خضار - وبدأ النقاش المرتقب منذ ربع قرن ويا ليتني كنت شاهدة على لحظة فريدة كهذه، وطرحت التوصية ودار حولها النقاش بين مد وجزر حتى انتهت بتأييدها من قبل 65 من الأعضاء ورفضها من قبل 62 مع امتناع 8 أعضاء عن التصويت - من أسميتهم في مقال سابق بـ «أصنام الشورى».



كما تلاحظون فقد كان فارق الأصوات بسيطا جدا، ليس ذلك فحسب بل إن عددا ليس بهين من المعارضين كان اعتراضهم على طبيعة التوصية غير المباشرة وعدم وضوحها وليس على قيادة المرأة تحديدا، كون التوصية المطروحة من قبل عضو الشورى الدكتور سلطان السلطان طالبت بالتعاون بين وزارات الدولة لإجراء دراسة بهدف إيجاد بيئة مناسبة لقيادة المرأة، معتبرين أن الموافقة على توصية كهذه من شأنها أن تعطل قيادة المرأة لسنين إضافية غير محصورة ريثما تتم تهيئة البيئة التي لا يوجد لها مؤشرات قياس واضحة أو جدوى، ومشيرين إلى أن التوصية يجب أن يعاد طرحها بحيث تنص على السماح للمرأة بالقيادة بشكل مباشر، وأن تكون موجهة لوزارة الداخلية لا مشتتة بين الوزارات. وبذلك لو أخذنا أسباب معارضة البعض بعين الاعتبار ووضعناه نصب أعيننا مع الفارق البسيط في عدد الأصوات المطلوبة لتمرير التوصية، لوجدنا أن أغلبية الأصوات سوف تكون مستقبلا مع المرأة وليس ضدها..!



على مستوى الدولة يعتبر ما دار تحت قبة الشورى في صباح ذلك اليوم بخصوص ملف قيادة المرأة مؤشرا إيجابيا بكل المقاييس نحو مواطنة متساوية للجنسين، وعلى مستوى نساء الوطن هو مؤشر على انفراج للحقوق التي أثقل الحرمان منها كاهلهن، وعلى المستوى الشخصي أجدني سعيدة بأول خطوة لرضيع عمره ستة وعشرون عاما!



[email protected]