صمود الدودو!

(لا بد أن طيور الدودو قررت – قبل أن تنقرض مباشرة - مواجهة البحارة الأوروبيين المسلحين بالبنادق الفتاكة، والذين يصطادونها بالمئات، وقتالهم بمناقيرها، متصورة أنها ستفلح في دفع البحارة للانقراض أولاً!)»إتش جي ويلز – حرب العوالم«عام 1598 حين وطئت أقدام البحارة الهولنديين للمرة الأولى جزيرة موريشيوس التي تقع قرب السواحل الشمالية الشرقية لجزيرة مدغشقر الأفريقية، حدث اللقاء الأول أيضا بين الإنسان وطائر الدودو

(لا بد أن طيور الدودو قررت – قبل أن تنقرض مباشرة - مواجهة البحارة الأوروبيين المسلحين بالبنادق الفتاكة، والذين يصطادونها بالمئات، وقتالهم بمناقيرها، متصورة أنها ستفلح في دفع البحارة للانقراض أولاً!)»إتش جي ويلز – حرب العوالم«عام 1598 حين وطئت أقدام البحارة الهولنديين للمرة الأولى جزيرة موريشيوس التي تقع قرب السواحل الشمالية الشرقية لجزيرة مدغشقر الأفريقية، حدث اللقاء الأول أيضا بين الإنسان وطائر الدودو

الاثنين - 21 يوليو 2014

Mon - 21 Jul 2014



(لا بد أن طيور الدودو قررت – قبل أن تنقرض مباشرة - مواجهة البحارة الأوروبيين المسلحين بالبنادق الفتاكة، والذين يصطادونها بالمئات، وقتالهم بمناقيرها، متصورة أنها ستفلح في دفع البحارة للانقراض أولاً!)

"إتش جي ويلز – حرب العوالم"

عام 1598 حين وطئت أقدام البحارة الهولنديين للمرة الأولى جزيرة موريشيوس التي تقع قرب السواحل الشمالية الشرقية لجزيرة مدغشقر الأفريقية، حدث اللقاء الأول أيضا بين الإنسان وطائر الدودو.

وخلال ثماني عشرة سنة فقط، بعد هذا اللقاء الأول، كانت طيور الدودو قد انقرضت تماما من تلك الجزيرة التي هي موطنها الوحيد.

وطوال القرون الأربعة الماضية، تحول الانقراض السريع لطائر الدودو إلى مضرب للأمثال في عموم الحضارة الغربية، أمثال تسخر من الطائر المسالم الذي واجه الصيادين البرتغاليين والهولنديين بشجاعة فائقة، وصمد أمام أسلحتهم القاتلة من سيوف وبنادق ومدفعية، بقلوب لا تعرف الخوف، وبترسانة تخلو من كل سلاح إلا المناقير المبططة!

وبالطبع فإن الثقافة الغربية، التي تسبب بحارتها المستكشفون في انقراض طائر الدودو، لن تأتي على ذكر وحشية أفرادها، واستغلالهم الدنيء لحقيقة أن هذا الطائر يعيش في بيئة تخلو من الأعداء والمفترسين، فتخلى – تطوريا - عن كل أسلحة النجاة، من براثن تقطع، ومناقير تجرح، وجسد خفيف قادر على الفرار من الأعادي بالتحليق في الفضاء، أو حتى بالعدو السريع.

فالبحارة الأوروبيون الذين أذهلهم وجود نوع من الطيور لا يخشى منهم، ويأبى عليه كبرياؤه أن يفر من مواجهتهم، أوغلوا في صيده إيغالا قضى عليا قضاء مبرما، وأزالها جميعا من الوجود في زمن قياسي، ليخلد لطائر الدودو في تاريخ علم الأجناس الحيوانية الرقم القياسي، كصاحب أسرع مسار نحو الانقراض من بين كل الأنواع الحيوانية التي التقى بها الإنسان وجها لوجه، أو وجها لمنقار!

ولأن التاريخ يكتبه المنتصرون، كما تعلمنا حكمة الليالي والأيام، فقد تمت صياغة حكاية المذبحة التي تعرضت لها طيور الدودو بحيث تلقي باللائمة على الضحايا وتبرئ الجناة (السفاحين) الذين يروي بعضهم في مذكراته (وهو بحار هولندي يُدعى فان هولست) أنه شعر بالاستفزاز من وداعة طيور الدودو إلى حد أنه قتل منها سبعين طائرا في يوم واحد، دون أي دافع عملي لذلك، لأنه ترك أجسادها تتعفن في العراء، فلم يكن للقتل من مبرر إلا الانتقام من طيور لا تدافع عن نفسها ولا تفر!

وقد آلمه جسده من فرط المجهود الذي بذله في عملية القتل الجماعي تلك، فطلب من ربان السفينة أن يمنحه الإذن بالنوم لمدة خمس ساعات إضافية!

لكننا نمتلك من الخيال الخصب ما يمكننا من مشاهدة مأساة الدودو انطلاقا من وجهة نظر طيور الدودو نفسها، لم لا؟ فلنحاول..

ستعترض طيور الدودو أولا وقبل كل شيء على الاسم الذي ألصقه بها البحارة الأوروبيون، إذ إن الدودو يعني: المؤخرة السمينة!

لكنها ستوافق على استمرارنا في استخدامه نظرا لغياب البدائل الملائمة!

وستؤكد طيور الدودو أنها (صمدت) صمود الأبطال الصناديد في وجه الهجمة الشرسة التي شنتها عليها قوى الاستعمار الاستيطاني المدججة بالسلاح، وأنها لم تغير عاداتها قيد أنملة، رغم صواعق البارود، ورغم حر السيوف، ووخز الخناجر، إلا أن أمة الدودو ظلت وفية لتقاليدها العريقة، التي تحتم عليها التحرك في الغابة بوقار وتؤدة، دون هرولة تخل بالسمت المتزن والسلوك المهيب.

وستفضح طيور الدودو خسة الأعداء وجبنهم وحقارتهم، هؤلاء الذين يختبئون خلف أسلحتهم المتقدمة، ولا يقارعون بشرف منقارا لمنقار، كما يفعل أي طائر دودو يحترم نفسه.

وستناشد طيور الدودو كل طيور العالم لكي تشترك معها في الإدانة والتنديد والشجب والاستنكار والرفض الصارم لكل الممارسات الوحشية للمعتدين السفاحين الذين لا يتورعون عن قتل إناث الدودو وأفراخ الدودو وعجائز الدودو.

وستتباهى طيور الدودو بأنها قررت مواجهة أعدائها السفاحين بغاية النبل، وجها لوجه، وبصدور مفتوحة، ودون الاستعانة بالعلم أو التكنولوجيا أو بأية أدوات اللهم إلا المناقير، حتى لو أدى ذلك بطيور الدودو إلى الانقراض التام.

فالمهم بالنسبة لأي دودو يحترم نفسه هو أن يكون الانقراض مشرفا.