شرورة عروس كدرها الإرهاب

على عكس ما يشيعه البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا بعد أن تصدر اسمها عناوين الصحف ونشرات القنوات الفضائية الإخبارية أخيرا، تبدو مدينة شرورة عبر نافذة الطائرة هادئة، وادعة،

على عكس ما يشيعه البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا بعد أن تصدر اسمها عناوين الصحف ونشرات القنوات الفضائية الإخبارية أخيرا، تبدو مدينة شرورة عبر نافذة الطائرة هادئة، وادعة،

الخميس - 17 يوليو 2014

Thu - 17 Jul 2014



على عكس ما يشيعه البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا بعد أن تصدر اسمها عناوين الصحف ونشرات القنوات الفضائية الإخبارية أخيرا، تبدو مدينة شرورة عبر نافذة الطائرة هادئة، وادعة، تنمو عمرانيا بشكل متسارع وهي تزيح عن كاهلها غطاء ثقيلا من رمال الصحراء المحيطة من كل حدب وصوب..بين هذا الرصيد الهائل من الكثبان والشمس الحارقة، وبين ملامح وجوه الرجال الناطقة بالعزيمة والصمود تستشف صورا ناطقة لا تصفها الكلمات عن إيمان عميق يتجدد كل يوم بأن الغد أفضل من الأمس، وأن الحياة مستمرة، مهما بلغت قسوة الطقس ووعورة التضاريس.



حارس أمين



الجميع هنا يخامرهم شعور واحد، أن مدينتهم الحدودية حارس أمين، نذر نفسه للمرابطة في صبر وإيمان وإخلاص كدرع حديدي في سلسلة البوابات الجنوبية للسعودية، لمواجهة الإرهاب والتطرف وعمليات تهريب المخدرات، وتأمين سلامة حدود برية آمنة تمتد إلى نحو ألف كيلومتر.

حيثما يممت وجهك، لن تحجب عنك عوالق الغبار في الأفق الممتد مشاهدة نهضة عمرانية نشطة تسابق الزمن..أحياء كاملة جديدة ومخططة على أراض صحراوية شاسعة ومنبسطة، تنبت فيها كل يوم أساسات المنازل والفلل السكنية والمباني الحكومية والمحلات التجارية على شوارعها الرئيسة والقريبة جميعها من قلب المدينة وأحيائها القديمة.



حراك عمراني



في المقابل يلفت النظر أن معظم المباني السكنية نسخت من خريطة واحدة بجميع تفاصيلها، مما جعل البيوت والفلل الحديثة تبدو كتوائم، وربما لولا اختلاف ألوانها الخارجية، وبعض التفاصيل الصغيرة، لصعب على أصحابها الوصول إليها.

أسعار أغلب قطع الأراضي السكنية هنا لا تزيد عن 150 ألف ريال تقريبا لكل قطعة أرض بمساحة 600 متر مربع، وحركة الإيجارات نشطة بفضل تزايد أعداد العاملين في القطاعات العسكرية والتعليمية على وجه خاص.



هدوء وسكينة



الوضع العام هادئ للغاية، ولن يخالجك شعور قط بأن هذه المدينة تضم قاعدة كبيرة للقوات المسلحة، والجيش السعودي، والقطاعات العسكرية المختلفة..

الشوارع والطرقات الرئيسة فيها مزدوجة ومن أربعة مسارات للاتجاه الواحد، وهي مرصوفة وفسيحة ومنظمة، تتوسطها أرصفة عريضة للمشاة مزروعة بالأشجار وأعمدة الإنارة، ومعظمها ينتهي بميادين واسعة تبرز فيها أعمال ومجسمات فنية متنوعة.



أمن مستتب



الحالة الأمنية مستقرة تماما..رجال الشرطة يجوبون المدينة بعرباتهم بشكل طبيعي، وفي المساء ينشئون على مفاصل الطرق الرئيسة نقاطا للتفتيش، بينما ينظم رجال المرور الحركة المرورية في الأسواق والطرقات والمواقع النشطة بحركة السير.

ولن تشعر أبدا أن هذه المحافظة الصغيرة المساحة نسبيا، يقطنها أكثر من مئة ألف ساكن، بحسب آخر إحصاء لتعداد السكان قبل عامين.



واي فاي



السمة العامة للمجتمع هنا ظهور غلبة العنصر الشاب وصغار السن في الفئات العمرية، معظمهم يميلون إلى المرح والضحك، الكثير بينهم يسبلون شعورهم السوداء حتى الأكتاف، يقابلونك دوما بوجه طلق وبكلمة «قوّيتوا»، ثم يمد أحدهم كف يمينه مع قبلة في الهواء باتجاه أنف مصافحه، وفي حواراتهم المتبادلة يرفعون أصواتهم بشكل مبالغ فيه، كما أن قيادتهم للسيارات في الطرقات تشعرك بشكل عام كأنهم على عجلة من أمرهم رغم صغر المدينة وطرقاتها الواسعة والخالية من الزحام.

معظم الشباب يفضلون قضاء أمسياتهم الرمضانية في جلسات عامة سواء في الحدائق والمسطحات الخضراء الجديدة، أو في المقاهي الشعبية مع أصدقائهم، وتناول الشاي والقهوة وتدخين المعسلات والشيشة أمام شاشات التلفزيون لمتابعة منافسات كأس العالم، أو ممارسة الألعاب الورقية «البلوت».

في الحقيقة لا توجد خيارات أخرى متاحة للترفيه أمام الشباب، ولولا توفر شبكات الانترنت وأجهزة الهواتف الذكية لبدت حياتهم أكثر مللا بالفعل، ورغم ضعف إشارة خدمة النت وشبكات الواي فاي لكل أجهزة شركات الاتصالات المحلية، إلا أنهم قانعون بهذه النافذة المتاحة التي تجعلهم على تواصل دائم مع العالم الخارجي.



انتظار المتنزهات



كثيرون منهم يتذمرون من بطء إنجاز البدائل أمام الشباب والعائلات على حد سواء، فمتنزه الملك عبدالعزيز الضخم ما زال يرزح تحت أعمال الصيانة المتوقفة منذ سنوات، وباتوا يتندرون على عدد المرات التي تم فيها بناء وهدم البوابة الرئيسة للمتنزه الهائل المساحة على يسار طريق المسافر إلى مدينة نجران، وبالمشاهدة تبدو الآن عمليات نشطة لتجديد السور الخارجي للمتنزه، وزراعته بالأشجار وإنارته.

في المقابل، يبذل البعض جهودهم لمواجهة هذا الواقع، فهناك صالة رياضية أو اثنتان أهليتان لممارسة كمال الأجسام وألعاب الدفاع عن النفس والسباحة، وأصحابها يشكون دوما من قلة الدعم والرعاية للمواهب الشابة في المحافظة.

رسميا، هناك ناديان رياضيان يتبعان للرئاسة العامة لرعاية الشباب، نادي شرورة وهو مخصص لمختلف الألعاب الرياضية، ونادي القلعة لكرة القدم فقط، كما يتوفر ميدان لسباقات الهجن الموسمية.



نساء بلا ترفيه



تبدو خيارات الترفيه للنساء والعائلات هنا أقرب شبها بجغرافية المدينة.ويمكن القول إنها نادرة كندرة الماء والأشجار في الربع الخالي..فمدينة شرورة في ظاهرها تكتسي بطابع ذكوري بلا شك، وربما ليس أمام العائلات سوى التوجه إلى أحد ثلاثة مراكز تسويقية مغلقة وخاصة للنساء فقط، وهي تضم محلات تجارية متنوعة إلى جانب أقسام مخصصة للألعاب الكهربائية للأطفال، أو الذهاب إلى متنزه ترفيهي عالي الأسوار مخصص بالكامل للملاهي والألعاب الكهربائية للأطفال والنساء فقط.



ممنوع اصطحاب الأطفال



والمثير للدهشة أن جميع المراكز النسائية المغلقة تشترط منع اصطحاب الأطفال الذكور فوق سن السادسة برفقة أمهاتهم، مراعاة للتقاليد المحلية السائدة، ولا يعلم إلا الله والراسخون في العلم ماذا تفعل العائلات التي رزقت بأبناء ذكور تجاوزوا سن السادسة..لا بد أن الآباء هم الرهان الخاسر في معادلة الترفيه للقسم الأنثوي.



أرقام ومؤشرات



في كل الأحياء تنشط حركة بناء لمساجد جديدة، وهذا يبرر وجود 16 جامعا تقام فيها خطب وصلاة الجمعة، ونحو 108 مساجد قائمة حتى الآن، وهناك 8 مساجد تحت الإنشاء حاليا، وهي أرقام تبدو أنها تفيض عن الحاجة الفعلية للأحياء السكنية.

في المقابل يبلغ عدد مدارس محافظة شرورة 89 مدرسة للمراحل التعليمية المختلفة، منها 43 مدرسة للبنين، و 46 مدرسة للبنات، معظمها مبان حكومية.

كما يوجد فرع للمعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، والذي يوفر علومه لنحو 350 طالبا.

وهناك معهد مهني تابع للمؤسسة العامة للتعليم المهني.

أما التعليم الجامعي فهناك كليتان للعلوم والآداب تابعتان لجامعة نجران للبنين والبنات.



السنة "دبل"



أهالي شرورة مضيافون ومرحبون دائما بالغرباء، وهم يتخلون عن حذرهم الفطري بمجرد التعرف عليك، وهذا يفسر الشعور العام بالراحة والرضا بين المواطنين المقيمين فيها والقادمين من كل مناطق ومدن المملكة الأخرى للعمل هنا في شرورة، مما يجعل الحياة اليومية هنا أكثر ثراء وتنوعا، وخلقت صورا رائعة للتعايش بين أبناء الوطن الواحد.

ويفضل معظم العاملين في القطاعات العسكرية المختلفة أداء واجب الخدمة والعمل العسكري في محافظة شرورة ومراكزها، لكونها تمتاز باحتساب سنة الخدمة فيها بسنتين مما يختصر سنوات العمل إلى النصف تقريبا.



رفض العولمة



على واجهات محلات الأسواق الجديدة، وفي السوق القديم أيضا، بدأت ترتفع منذ نحو سنتين لوحات لعلامات تجارية شهيرة في قطاع الملابس ومراكز التسوق ومطاعم الوجبات السريعة وغيرها.

وبحسب إفادات شهود عيان، فإنه من النادر ألا يصاحب حفل تدشين أو افتتاح متجر جديد منها بحالة من الطيش وعدم الرضا ينفذها مجموعات احتساب شبابية غير رسمية تهاجمها بدعوى شبهة الاختلاط بين الجنسين، أو لرفضهم التام لبث ثقافة العولمة وأسلوب الحياة العصرية في مدينتهم المحافظة..الشواهد على هذه الأحداث عدة، ونشرت جميعها في الصحف المحلية.





سليمان الجربوع: ليس منا من يرمي حجارة تطرفه في بئر استقرار وحدتنا الوطنية



في مجلس الشيخ سليمان بن صالح الجربوع شيخ شمل قبائل الصيعر من آل محمد بن ليث، دار الحديث حول دور القبيلة في مواجهة الأفكار المتطرفة ومروجيها بين الشباب وصغار السن.

صمت الشيخ قليلا، وجال ببصره متصفحا وجوه رجالات القبيلة من حوله قبل أن يجيب: هذا الفكر الضال لم يميز بين منطقة وأخرى.

إنها مشكلة لم تسلم منها منطقة عن غيرها أو مدينة عن سواها، ويجب على الجميع مواجهة هذا الفكر الخارجي المهدد لسلامة وطننا وأمن مواطنيه،مشيرا إلى أن مجلسه استضاف أكثر من مرة العلماء والشيوخ وأعضاء لجان المناصحة الذين كانوا يوضحون للجميع سماحة الدين الإسلامي والعقيدة الصحيحة بدون غلو أو إفراط وتفريط.

وأكد أن مشايخ القبائل في شرورة يتواصلون باستمرار مع أمراء المنطقة وكل مسؤولي الجهات الحكومية بما يعزز الأمن والاستقرار.

وأضاف: المهم هنا أن الجميع وفي مقدمتهم شيوخ القبائل يضعون يدهم بيد ولاة الأمر ضد كل من يريد الشر ببلادنا الغالية، وأن من شذ من أبناء هذه المنطقة فهو لا يمثل إلا نفسه، وأن الجميع يقفون ضد أفعاله المجرمة، مشددا بالقول: ليس منا من يلقي حجارة في بئر أمننا ووحدتنا واستقرارنا.

وكما ترى ولله الحمد، كثير من أبناء القبيلة منخرطون في القطاعات العسكرية والتعليمية والحكومية لحماية الوطن والمواطنين وأداء واجبهم تجاه دينهم ومليكهم ووطنهم، فنحن جميعا أبناء هذا الوطن ونفديه وولاة أمرنا بالنفس والنفيس.

ويشهد الله أننا لم نجد إلا كل خير من الدولة حتى أصبحت شرورة في الصورة التي ترونها الآن.

وسرد الجربوع قصصا كثيرة عن مواقف للأمير سلطان بن عبدالعزيز، يرحمه الله، الذي كان يزور المحافظة مرارا، مؤكدا أنه سمع منه أن حبه لشرورة لا يقل أبدا عن حبه للرياض أو أي مدينة أخرى في السعودية، وشهد بأن الدولة لم تقصر أبدا في تلبية حاجيات أبناء محافظة شرورة في كل المجالات التنموية التي يحتاجونها، مؤكدا أنها تحظى بكل المميزات التي توفرها الدولة أسوة بجميع المناطق والمدن السعودية.





مركز الوديعة الحدودي يقطنه 5 آلاف مواطن



بعد أن خرجنا من شرورة في طريقنا إلى منفذ الوديعة الحدودي (60 كلم جنوب شرورة) كانت أحواش الإبل تنتشر على يمين الطريق بكثرة لافتة، وكل حوش نصبت بجواره خيام بيضاء..إنها المكان المفضل لملاكها الذين يحرصون على الخروج إليها في إجازات نهاية الأسبوع، وخصوصا في الليالي المقمرة والتمتع بالأجواء الصحراوية ومقاربة أسلوب حياة الآباء والأجداد.

الوديعة أحد المراكز الإدارية التابعة لمحافظة شرورة التابعة لإمارة منطقة نجران، يقطنها الآن نحو خمسة آلاف ساكن، معظم بيوتها حديثة البناء، وكذلك محطات الوقود التي تبدو كمجمع للأسواق تتوفر فيه كل المستلزمات والمواد الاستهلاكية للسكان والمسافرين في آن.

وتعتمد في سقايتها على بئر ارتوازية على مقربة من الطريق العام تتدلى من أنابيب مضختها خراطيم مياه لتعبئة الصهاريج المصطفة أمامها.

في اتجاه المنفذ الحدودي تجلى في الأفق جبل الوديعة الشهير، وفي سفحه مقبرة مسورة بيضاء تضم رفات 39 شهيدا قضوا دفاعا عن حدود الوطن في حرب الوديعة بين السعودية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

هذه الحرب القصيرة جرت أحداثها في الـ19 من شهر رمضان عام 1389هـ الموافق 27 نوفمبر 1969م وانتهت بعد خمسة أيام بانتصار القوات السعودية وعودة مركز الوديعة إلى السعودية.

بعد مسافة 10 كلم ظهر قوس منفذ الوديعة الحدودي، وبدت مباني مصلحة الجمارك تنتشر على ضفتي الطريق، قبله بأمتار قليلة كانت تقف وحدتان عسكريتان تابعتان لحرس سلاح الحدود في جاهزية تامة..كانت الساعة تشير إلى الرابعة من بعد ظهر يوم السبت الماضي (12 يوليو 2014م)، شمس حارة، وأفق ممتد يعلوه غبار، وحركة سيارات وحافلات تعد على أصابع اليد الواحدة، بدا الوضع العام هادئا وطبيعيا للغاية.