كبير الأطباء

الثلاثاء - 25 أكتوبر 2016

Tue - 25 Oct 2016

(الجراح البارع له قلب أسد وعينا نسر وأنامل طفل).. «مثل إنجليزي». في الوقت الذي انشغل جيلنا طلاب المرحلة الثانوية في صيف عام 1986 بنجوم كأس العالم في المكسيك، قام التلفزيون بقناته الوحيدة بنقل خبر مذهل وهو نجاح أول عملية زراعة للقلب في السعودية قام بإجرائها الدكتور محمد بن راشد الفقيه.



ومنذ ذلك الوقت أصبح الدكتور بطلا لجيل كامل من الشباب كنت أحدهم، أصبحنا نتحدث عنه ونقرأ سيرته وإنجازاته ثم تابعنا باهتمام تكريم الملك فهد رحمه الله له، ومنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى في نفس العام.



ولأن المجتمع في ذلك الوقت قد تجاوز زمن الطفرة بكل منافعها وعيوبها، ثم بدأ خطواته الجادة نحو التنمية والتعليم، فقد كان جيل الشباب الطموح والمتحفز على استعداد بتقبل فكرة (الدكتور النجم) الذي أضحى أحد أبطالهم. ولأن للكبار أسلوبا خاصا في تحقيق الإنجازات، فقد تمكن الدكتور محمد الفقيه وبسرعة مذهلة من تأسيس برامج متطورة في جراحة القلب للكبار والأطفال، ركيزته الأساسية كوادر وطنية من الأطباء والممرضين، بعد أن نال ثقة ودعم الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله.



ولأن الأوسمة تبحث عن الأبطال لتقدم سيرتهم للناس ولتأكد قدرتها على الإنصاف فقد نال وسام الملك عبدالعزيز بعد عامين فقط من وسامه الأول من الملك فهد غفر الله له. هذا التكريم الذي لم يسبقه إليه أي طبيب دفعه إلى بذل المزيد من الجهد لتحقيق حلم لطالما راوده وهو إنشاء مركز متخصص في أمراض وجراحة القلب يستقطب المزيد من الأطباء وطواقم التمريض من أبناء الوطن، ويخدم شريحة عريضة من أبناء المجتمع، لا يقتصر على منسوبي وزارة الدفاع، ويكون هذا المركز معنيا بجميع أمراض القلب المزمنة وطرق علاجها بأحدث التقنيات والذي تم افتتاحه في عام 1994 ليشغل الدكتور الفقيه منصب كبير الأطباء. لتنطلق معها حقبة النهضة الطبية في البلاد عنوانها المحافظة على ما تم اكتسابه، وإتاحة الفرصة أمام جيل آخر من الأطباء السعوديين للتقدم خطوات نحو الصفوف الأمامية.



بعد ذلك، وفي فترة لاحقة كانت العديد من المراكز المتخصصة في أمراض وجراحة القلب بالإضافة إلى مراكز نقل وزراعة الأعضاء تنتشر في العديد من مستشفيات المملكة، ولكي نكون منصفين فإن العديد من تلك المنجزات قام بها أطباء تأثروا أو تتلمذوا على أيدي جيل الرواد والذين كان الدكتور محمد بن راشد الفقيه في طليعتهم.



وإذا كنا نحن الأطباء قادرين على أن نجسد سلوكا جديدا في حياتنا فيجب أن نبحث عن وسيلة ما لنروي للأجيال حكاية هؤلاء الفرسان كل في تخصصه، كأن ننشئ جائزة كل عام تمنح لأحدهم وتكون مناسبة ليتم استعراض مسيرتهم لتبقى شاهدا على ما قدموه من إنجازات للوطن، كما أنها فرصة هائلة ليقول الفائز بالجائزة كل ما لديه، وربما أنه من المناسب أن يتم تدوينها ليتمكن أجيال من أبنائنا الطلاب من التعرف على فرسان الزمن الباهي، ولعل مثل هذا السلوك يبعث فيهم الهمة والطموح بالإضافة إلى إذكاء روح التنافس بينهم للنهل من العلم والمعرفة، حينها ستلقى دراسة الطب اهتماما متزايدا في ظل النقص الحاد في أعداد الأطباء السعوديين. الآن وبعد أن ترجل الفارس قبل عدة سنوات، ولأنه قد نال قصب السبق، وهذا الزخم الهائل من الأضواء في وقت سابق، فإنه لا يزال في عيون تلاميذه ومرضاه كبيرا للأطباء، وإذا فاتنا أن نكرم الكثير من الرواد الذين رحلوا عن عالمنا في حياتهم، وفي محاولة لتدارك تلك الخطيئة التي تتكرر دائما فلا بد أن نبادر بتكريمهم أحياء، علينا أن نقوم بذلك وقبل فوات الأوان.



سلطان فهيد التمياط - طبيب مهتم بالشأن الصحي العام