هادي الفقيه

إيران..17 عاما لصناعة جاستا

السبت - 22 أكتوبر 2016

Sat - 22 Oct 2016

«أرجوك، لا أود الحديث عن هذا الموضوع، خصوصا في هذا الوقت. ملف جاستا معقد كثيرا، وآمل أن تتفهم دون أن أشرح لك الأسباب. أؤكد لك دعمي للموقف السعودي، ولكن الوضع حرج». هذا رد زميلة أمريكية تعمل محللة للسياسات خصوصا فيما يخص الكونجرس بشقيه، مجلس النواب والشيوخ، وسبق أن عملت مع واحد من أشهر الأعضاء في الكونجرس.



اتفقت مع الزميلة، التي لا ترغب أن يذكر اسمها، أن يكون الجزء الثاني من هذا المقال بالشراكة معها، كما حدث في الجزء الأول بالكتابة مع القانوني نواف آل معتق، لجمع أجزاء الصورة للقارئ الكريم من جميع الأبعاد: قانونيا، إعلاميا، سياسيا، وحقل صناعة السياسات. وربما موقف الزميلة يعكس حال قانون جاستا، سخرية أو جدية. وقبل ذلك كله أستميح القارئ عذرا لأن هذا هو السبب في تأخر نشر الجزء الثاني، احتراما للمتلقي.



على كل حال، لم يتوقف الحديث عن قانون جاستا، ولن يهدأ السجال السياسي والقانوني حوله، وبداية سيكون الحديث عن شق صناعة السياسات أو Policy Making فيما يخص الكونجرس وأعضائه الذين أبدوا ندما ساذجا، وفي الجزء الآخر والأهم في رأيي هو اللعبة السياسية التي طبختها إيران على نار هادئة وأكلها العم سام ربما بسذاجة، والأغلب أنها دون ذلك.



صناعة السياسات ودهاليز الكونجرس



في الكواليس الخلفية للعبة البرلمانية الأمريكية تضاربت المصالح فخرج قانون جاستا إلى النور في وقت كانت فيه كل المؤشرات تقول إن هذا القانون لن يرى النور نهائيا. اللعبة الرئيسة في الوقت الحاضر هي صوت الناخب المرغوب في المرحلة المقبلة، كما أشرت في المقال السابق، بينما الوجه الحسن لهذا العامل المهم هو أن جاستا ربما يمر بمرحلة تخدير لمدة عام وتتوقف أي دعاوى، ما عدا القائمة حاليا.



في دهاليز الكونجرس هناك اتفاق على إعادة القانون مع المجلس الجديد، لكن الخلاف القائم على الطريقة التي سيعود بها جاستا إلى السينتورز، في الوقت الذي بدأت فيه الكعكة تتقسم بين الأعضاء المدعومين إيرانيا بأن يرفعوا سلسلة قضايا في ولايات مختلفة تحت مظلة القانون الذي أصبح ساريا فعليا، عسى أن تنجح ولو واحدة.



ومنذ صدور القانون حتى اليوم تشير التسريبات إلى أن الرعاة الرئيسيين للقانون من أعضاء الكونجرس بدؤوا المساومة مع المعارضين، لأن أي عودة للقانون للتصويت بصيغة قانونية مع ضمان النجاح يجب أن تكون بدعم أكثر من عضو كان من الدافعين بالقانون. أعضاء الكونجرس الراغبون في العودة من رعاة القانون لا يريدون فتح ملف جاستا حتى الانتهاء من مشاريع قوانين الدفاع والإنفاق لعام 2017، وأخيرا ضمان استمرار الاتفاق النووي الإيراني مع الرئيس أو الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة.



المراقبون في واشنطن يرون بصيص أمل مع الرئيسين المقبلين للبلاد والكونجرس، حتى وإن صدرت تصريحات بدعم القانون، إذ كل معسكرات المرشحين تعتمد هذا الملف في الدعاية السياسية فقط قبل الانتخابات، بينما الحل السريع في أن يرفع طلب بإلغاء القانون، استنادا إلى قانون 1976 لحصانة الدول.



الكاتب كاميرون هود كتب تحليلا ضمنه تحذيره في «باسفيك استنادرد» مطلع مايو الماضي، إذ قال صراحة «إنه تهور سيقلب الدنيا على أمريكا، ويشرع لسياسة غاب دولية». أخيرا، لم تعد التنبؤات قاطعة في زمن جاستا ومرشح أهوج مثل دونالد ترامب، لكن رأيي أن هذا القانون سينام حتى الربع الأول من العام المقبل 2017.



لعبة السياسة وصناعة تجريم السعودية



في أكثر من مقال تحدثت أن نظرية المؤامرة لا توافق طريقتي في تحليل الأمور، خصوصا في العلاقات بين الدول، لكن جاستا ليس وليد يوم، أو ربما نتيجة لم يتوقعها صناع العداوة تجاه السعودية. القصة تبدأ عقب أن وضعت الحرب الإيرانية ـ العراقية أوزارها، إذ وجد الإيرانيون أنفسهم عقب الثورة يصطدمون بجدار العراق من جانب، والحلف السعودي ـ الأمريكي من الجانب الآخر، مما أسهم في تراجع الحلم الفارسي التوسعي حينه.



وأتت حرب الخليج الثانية بدخول صدام حسين الكويت ليسقط الجدار العراقي نفسه بنفسه تدريجيا، أما الأمريكي ـ السعودي فازداد قوة عقب تحرير الكويت، وهو ما أشعل فكرة ضرب إسفين قوي يضع حدا لهذه العلاقة من جانب، ويعطي الحلم الفارسي أملا. بدأ الإيرانيون مشروعهم بإرسال الشيخ نعماني إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في السودان مطلع التسعينات الميلادية، وفقا للباحث روحان جوناراتنا، إذ ذكر ذلك في كتابه «القاعدة من الداخل: شبكة عالمية من الإرهاب»، وقال نصا «استطاع (يقصد بن لادن) الوصول والتواصل مع أعلى السلطات في طهران».



نتج عن التحالف القاعدي ـ الإيراني سلسلة من العمليات الإرهابية داخل المملكة وخارجها قبل أحداث الـ11 من سبتمبر، التي كانت العملية الأكبر والأهم لضرب العلاقات السعودية ـ الأمريكية. وما إن بدأ العالم يسأل عن المتسبب حتى تحركت إيران على خطين، الأول دعم حليفها القاعدة لضرب الداخل السعودي بسلسلة عمليات إجرامية، ومن ثم تسهيل واحتواء القيادات التي هربت من الدخول الأمريكي لأفغانستان. أما الخط الثاني فكان حربا إعلامية من الداخل الأمريكي بصناعة ما أسموه «الوهابية السعودية»، لتجريم السعودية، مما صنع توجها جديدا داخل أمريكا، وللأسف البعض ـ سعوديا وعربيا ـ ركب الموجة.



ينقل عضو الكونجرس السابق عن ولاية كونيتيكت جوزيف ليبرمان في مقاله الذي نشره في «وول ستريت جورنال» عن ماثيو ليفيت ومايكل جاكوبسون من معهد واشنطن القول «وصلت إيران والقاعدة إلى اتفاق غير رسمي للتعاون بتقديم المتفجرات شديدة الخطورة، والخدمات الاستخباراتية، والتدريب العسكري لتنظيم بن لادن».



مقال ليبرمان الذي حمل عنوان « تذكروا دور إيران في 11 سبتمبر» سرد وقائع ومعلومات اطلع عليها، تكشف دور إيران في الإرهاب العالمي، مطالبا بعدم مكافأة نظام الملالي على جرائمه بمنحه اتفاقا يسمح له بتوسيع النشاط النووي.



التورط الدامغ لإيران أسهم في إصدار حكم قضائي بتعويض أسر الضحايا 10.5 مليارات دولار، عبر محكمة في نيويورك مارس الماضي، وسبب صدور الحكم على النظام لأنه يصنف بإجماع دولي كراع للإرهاب، إلا أن هذا كله لم يوقف الإيرانيين من مشروع تجريم المملكة عبر حلفائهم الإرهابيين الذين بدؤوا التخطيط معا قبل 17 عاما لتنفيذ العملية، والحلفاء الآخرين الفاعلين في واشنطن للدفع بقانون جاستا، ليأتي تتويجا لخطة الشيطان المجرمة للسعودية لتكون أداة شرخ جدار العلاقات السعودية ـ الأمريكية، عسى أن ينهار هذا الجدار ويصعد الحلم الفارسي الذي لا يعرف أن السعودية لديها ألف جدار وجدار دوليا، والأهم سعوديا.



المحصلة أن الأمريكيين أكلوا الطعم الإيراني ثم عادوا ليكافئوا من سممهم. وما يلوح في الأفق خصوصا بعد تسريب شركات خدمات استخباراتية صورا لمواقع إيرانية جديدة تطور أسلحة نووية هو ربما مجرد مخاض في ظل شهر العسل الأمريكي لعمليات إرهابية عالمية جديدة سيشهدها المسرح الدولي.



كذلك على مستوى العلاقات السعودية ـ الأمريكية قد تقرأ الإدارة الأمريكية الضعيفة التحركات السعودية الدولية والبحث عن أسواق جديدة وحلفاء أكثر جدية وصدقية، فتستخدم الأوراق التي لا تخرج إلا إذ بلغ السيل الزبى، خصوصا في الوقت الذي يتوقع أن يصل فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى واشنطن لعقد سلسلة من اللقاءات الرسمية والإعلامية وحضور مؤتمرات رفيعة المستوى.