الإنسان يظلم الحيوان بالوحشيةوالتدجين فتح أبواب الإبادة

هناك نوعان من المخلوقات المفترسة الأكثر تفوقا، تمتلك أدمغة معقدة بطبيعتها على وجه الأرض: الإنسان وحوت الأركا القاتل. في القرن العشرين وحده، قام أحد هذين المخلوقين بقتل 200 مليون عضو من النوع الذي ينتمي إليه، أما المخلوق الآخر فلم يقتل ولا فردا واحدا. الإنسان هو المخلوق الذي يسبب أكبر الأذى للإنسان، أما حوت الأركا القاتل، فإنه يبحث عن صيده خارج نوعه.

هناك نوعان من المخلوقات المفترسة الأكثر تفوقا، تمتلك أدمغة معقدة بطبيعتها على وجه الأرض: الإنسان وحوت الأركا القاتل. في القرن العشرين وحده، قام أحد هذين المخلوقين بقتل 200 مليون عضو من النوع الذي ينتمي إليه، أما المخلوق الآخر فلم يقتل ولا فردا واحدا. الإنسان هو المخلوق الذي يسبب أكبر الأذى للإنسان، أما حوت الأركا القاتل، فإنه يبحث عن صيده خارج نوعه.

الاحد - 22 يونيو 2014

Sun - 22 Jun 2014



هناك نوعان من المخلوقات المفترسة الأكثر تفوقا، تمتلك أدمغة معقدة بطبيعتها على وجه الأرض: الإنسان وحوت الأركا القاتل.



في القرن العشرين وحده، قام أحد هذين المخلوقين بقتل 200 مليون عضو من النوع الذي ينتمي إليه، أما المخلوق الآخر فلم يقتل ولا فردا واحدا.

الإنسان هو المخلوق الذي يسبب أكبر الأذى للإنسان، أما حوت الأركا القاتل، فإنه يبحث عن صيده خارج نوعه.

وربما لهذا السبب، يبدأ جيفري موسايف ماسون كتابه الرائع “وحوش” بعبارة لافتة: “هناك شيء ما يجعلنا نختلف عن المخلوقات الأخرى”.

في كتبه السابقة التي حققت جميعها تقريبا كثيرا من المبيعات ودخلت قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة ودول أخرى، أظهر الكاتب جيفري موسايف ماسون أن الحيوانات تستطيع أن تعلمنا الكثير عن عواطفنا ومشاعرنا الإيجابية.

فنحن نتعلم الكثير عن الحب من الكلاب، وعن القناعة والاطمئنان من القطط، وعن الحزن من الفيلة، من بين أمور أخرى.

لكن الحيوانات تستطيع أن تعلمنا الكثير أيضا عن المشاعر السلبية مثل الغضب والعدوانية، وهي تفعل ذلك بطرق غير متوقعة.



تصرف الوحوش



في كتابه الذي لا يتمتع بحجم كبير “وحوش”، يجعلنا ننظر إلى أنفسنا بشكل سيئ إلى حد كبير.

يبين جيفري ماسون أن العنف الذي نفهمه في الحياة البرية الطبيعية هو مجرد عملية إسقاط.

نحن نربط بين أحط أنواع السلوك البشري وبين الحيوانات والوحوش – فنحن نقول مثلا إن فلانا “تصرف مثل الوحوش”- وندعي أن سلوك النوع البشري أفضل من سلوك نوع الحيوانات.

ونحن عادة نعتقد أن إنسانيتنا تصل إلى أدنى مستوياتها عندما نستسلم للمشاعر الحيوانية التي في داخلنا.

في رأي جيفري ماسون، لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من هذا الاعتقاد.

الحيوانات، على الأقل الحيوانات المفترسة، تقتل من أجل أن تستمر في الحياة، من أجل البقاء.

لكن لا شيء في ممارسات الحيوانات العدوانية يمكن أن يشبه، حتى من بعيد، أعمال العنف التي يقوم بها الإنسان ضد الآخرين، خاصة ضد النوع البشري الذي ينتمي إليه.

العبء الذي يثقل كاهلنا هو أن البشر، وخاصة في العصر الصناعي الحديث، هم المخلوقات الأكثر استخداما للعنف على وجه الأرض.

نحن نفتقر إلى ما تملكه كل الحيوانات الأخرى: الرقابة على العدوانية التي يمكن أن تدمر النوع البشري بدلا من الحفاظ عليه.

ويقول جيفري ماسون إنه في هذه النقطة، الحيوانات لديها شيء تستطيع أن تعلمنا إياه عن تاريخنا نحن.

يجردنا جيفري ماسون في هذا الكتاب من مفاهيمنا الخاطئة عن المخلوقات التي نخاف منها، ويقدم لنا نظرة قوية على النزعة الإنسانية القوية والفريدة باتجاه العدوانية.



عقول متطورة



كثيرا ما نحب أن نفاخر نحن البشر بأننا فريدون ومتميزون بين التنوع البيولوجي الكبير في هذا العالم.

نحن نتباهى بأننا نمتلك عقولا كبيرة ومتطورة ومركبة تجعلنا نتميز وننفصل عن كل شيء آخر نجمعه بعضه مع بعض لنطلق عليه تسمية واحدة: الطبيعة.

لكن الأمور تبدو بشكل مختلف بالنسبة لجيفري ماسون، فهو يعتقد أن السمة البارزة من خصائصنا البشرية ليست تميزنا من حيث قوة اللغة، ولا القدرة على القيام بأعمال خارقة من الإبداع، ولا أي شيء من هذا القبيل.

لكن السمة البارزة لنا كبشر هي “قدرتنا الفريدة على القيام بأعمال العنف”.

ويقول جيفري ماسون في كتابه “وحوش” إننا نتميز بكوننا سيئين بشكل خاص ومتميز، قبل أن نتجاوز الحدود وندمر كل شيء بسبب نزعتنا البشرية للقيام بذلك، كان كوكب الأرض بخير.

من الصعب مناقضة ما يقوله جيفري ماسون بأن البشر غالبا ما يعاملون بعضهم البعض بشكل سيئ، خذوا على سبيل المثال ما يحدث بسبب العنصرية، وكيف يرتكب البشر مذابح جماعية وحروب إبادة، وكيف يمارسون التعذيب بشكل سادي غريب.

والبشر يرتكبون أعمالا وحشية ضد الأنواع الأخرى من المخلوقات والنبات.

على سبيل المثال، يقوم الإنسان بالقضاء على الغابات، وقتل الفيلة من أجل العاج، وقتل حيوانات من أجل فرائها، ويربي الحيوانات بشكل وحشي من أجل تسمينها فقط بغض النظر عن مدى معاناة الحيوان.

كتاب جيفري ماسون يعتبر محاولة نبيلة للفهم والإجابة على السؤال: ما الذي يمكن أن يوقظنا من هذه الغفوة التي فرضناها على أنفسنا لنستمر في التدمير؟ من وجهة نظر ماسون، نحن لسنا “مُبرمجين” بشكل مسبق لنكون قساة ومتوحشين.

ليس في داخل النفس البشرية برنامج يدفعه إلى الاغتصاب وارتكاب أعمال السلب والنهب.

ويعتمد ماسون كثيرا على خبرته السابقة كمحلل نفسي ورئيس أرشيف فرويد، وهو يميل إلى التخمين بأن سبب البلاء الذي نعاني منه هو صدمة يعاني منها النوع البشري كله.

ويقول الكاتب إن “العنف المفرط يمكن تفسيره جزئيا على الأقل من خلال ماضي الإنسان المؤلم”.

ولكن ما هي التجارب التي يمكن أن تسبب صدمة للنوع البشري بالكامل؟ يجيب ماسون أن السبب بدأ من توجه الإنسان إلى الزراعة.

قبل ممارسة الزراعة، كان الناس ببساطة يتهربون من الصراع لأنهم لم يكونوا يمتلكون شيئا يتطلب منهم أن يخاطروا بحياتهم من أجل حمايته..ملكية الأرض كانت هي الشرارة التي أطلقت الحروب، والحروب ولدت التعذيب.

لكن المشكلة الحقيقية، في أعماق النفس البشرية الجماعية، بدأت عندما بدأنا نربي الحيوانات من أجل استخدامها كنوع من الطعام.

من خلال تربية الحيوانات في البيوت، حرمنا أنفسنا من القدرة على رؤية الحيوانات كمخلوقات لها خصوصيتها، وأنها هي أيضا يمكن أن تشعر بالمعاناة والألم..تدجين الحيوانات أوجد ثقافة من القسوة وإساءة المعاملة.



الكتاب: وحوش: ما تستطيع الحيوانات أن تعلمنا إياه حول أصول الخير والشرBeasts: What Animals Can Teach Us About the Origins of Good and Evil



الكاتب: جيفري موسايف ماسون Jeffrey Moussaieff Masson



الناشر: بلومبزبري،2014





.. عنف من دون هدف



حديث جيفري ماسون عن أن البشر هم المخلوقات الوحيدة التي تمارس “العنف دون هدف واضح” هو نظرية مثيرة للاهتمام.

كتاب “وحوش” يثير عددا من النقاط المثيرة للاهتمام حول الطريقة غير المنطقية التي نرى من خلالها الحيوانات البرية.

لماذا، على سبيل المثال، نستخدم كلمة “حيوان” أو “وحش” لوصف شخص يرتكب أعمال عنف قاسية وغير مبررة، في حين أن ذلك السلوك هو في الواقع سلوك يختص بالإنسان أكثر منه سلوك يختص بالحيوان؟ ولماذا نخاف ونكره الحيوانات المفترسة الأخرى، مثل الذئاب وسمك القرش، مع أن فرص أن نتعرض لأذى بسبب هذه المخلوقات ضئيلة جدا؟ هذه أسئلة تستحق أن نفكر فيها ونتأملها، وفي رأي الكاتب فإن الإجابات على مثل هذه الأسئلة قد تساعدنا في يوم ما على أن نكون مخلوقات أكثر تعاطفا مع الآخرين - بشرا ومخلوقات أخرى.

لسوء الحظ، لا يقدم الكاتب إجابات مقنعة على الأسئلة التي يطرحها.

ويقول إن دراسة أصول وأسباب العنف عند الإنسان تستحق الاهتمام “لأنها تسمح باحتمال أن نعكس تلك العملية.

” ولكنه لا يقدم أي وصفة لوضع “العملية الانعكاسية” قيد التطبيق.

يمكن أن يتخيل المرء أن هذه العملية تستدعي أن يصبح جميع سكان العالم، على سبيل المثال، نباتيين، فهذا السلوك يمكن أن يساعد فيما بعد على التخفيف من المشاكل الأخرى، من انسداد الشرايين إلى نقص موارد المياه.

لكن التحول الجماعي العالمي إلى وجبات طعام خالية من اللحوم ليس أمرا واقعيا يمكن حدوثه بين يوم وليلة.

لقد عمل الإنسان على تخريب الكوكب الذي يشترك مع المخلوقات الأخرى في العيش عليه، الأمر الذي سبب الكثير من المشاكل والصعوبات للجميع، بما في ذلك الإنسان نفسه، لدرجة أننا غالبا ما نبدو وكأننا نضيع أدمغتنا الكبيرة والمتطورة في عمل الأشياء الخاطئة.

لقد كتب جيفري ماسون عدة كتب قبل هذا عن المشاعر والأحاسيس عند الحيوانات – مثل كتاب “الكلاب تجعلنا بشرا” الذي نشر عام 2011 - وكيف أن دراسة الحيوانات يمكن أن تساعدنا على أن نتحلى بأخلاق وسلوك أكثر تعاطفا مع بعضنا ومع المخلوقات الأخرى.

حتى الخصال الإيجابية التي يفترض أن نتحلى بها كبشر، مثل اللطف والإيثار، والتي كثيرا ما ندعي أنها تميز النوع البشري عن أنواع المخلوقات الأخرى، يبين جيفري ماسون في هذا الكتاب أنها ليست حكرا علينا كبشر وأن هناك مخلوقات أخرى تتمتع بنفس هذه المزايا والسلوكيات.

هذا الكتاب ليس للمتخصصين في علم الحيوان وعلم النفس فقط، لكنه يناسب القارئ العام مهما كان تخصصه لأنه يستخدم لغة سهلة وممتعة ومباشرة.