فاتن محمد حسين

لننعم بتواصلنا مع الآخرين

الاثنين - 10 أكتوبر 2016

Mon - 10 Oct 2016

الإنسان كائن اجتماعي بفطرته التي فطره الله عليها، فمنذ أيامه الأولى وهو يأنس لبقائه مع أمه، وتبدأ حياته بتفاعله مع الآخرين، ومناغاته وابتسامه، ليعبر لهم عن حبه واستئناسه بهم وحاجته إليهم. ومع الأيام تنمو هذه العلاقات حتى يصبح الفرد جزءا في جماعته، يتأثر بأفكارهم وآرائهم وخبراتهم من خلال علاقات الأخذ والعطاء، بل تحدث التفاعلات القيمية والأخلاقية من خلال التعلم والتواصل.



وبالانفتاح العالمي على مواقع التواصل الحديثة أصبح الكون غرفة واحدة - ولن أقول قرية صغيرة - مما جعل مواقع التواصل الاجتماعي تشكل عبئا كبيرا على حياة الإنسان الاجتماعية وصحته النفسية، بما تبثه من أخبار محزنة أو محبطة أو مسيئة، ولكنه مع ذلك فهو يركض لاهثا يقرأ من هنا وهناك، ويرد على هذا وذاك، ويقرأ ويرسل مقالات من صفحات وكتيبات.



ولا ننكر أن لذلك أثرا كبيرا في تنمية مخزونه الثقافي والمعرفي، ولكن حقيقة فإنها أثرت بصورة كبيرة على مستوى علاقاتنا بالآخرين ما بين الشد والجذب وتقطع للعلاقات، لأننا ببساطة لم نتقن فن وآداب الحوار، مع أنها جزء من قيمنا الإسلامية.



فنظرة إلى تويتر وبعض المواقع الأخرى نجد أجواء مشحونة بالعنصرية والطائفية والعرقية، وتراشق بالكلمات ينم عن الكراهية والبغض، وتفوح منه رائحة الحسد والحقد، لتصبح في ثوان معدودة منتشرة إلى أقاصي الكرة الأرضية. وتارة أخرى نتسابق على اجتزاز الأخبار، وخاصة الإشاعات التي لم يتم التأكد منها ومن صحة مصادرها، حتى أصبح كل فرد يسابق أعتى الصحفيين في (السبق الصحفي) لإبراز ما عنده من أخبار، حتى ولو كانت أخبارا مغلوطة أو ملفقة أو كاذبة ويرتجى منها الإساءة لشخص ما، أو إفلاس شركة، أو الإساءة لدولة ما وإفشاء أسرارها، مما قد يجر إلى مشكلات وويلات.



وهناك الغث من الرسائل والبرامج ومحادثات التفاهة والهياط، وصور الأطباق والمأكولات، والتي تستغرق كثيرا من الأوقات، وتكشف عن مدى تفاهتنا كشعب مستهلك غارق في الملذات وفي تضييع الأوقات، مع أن ديننا الإسلامي يحذرنا بأننا سنُسأل عن خمس قبل خمس.. وذكر منها عمره فيما أفناه؟



وكل ذلك للأسف أثر على مستوى إرادتنا في تناول كتاب قيم لقراءته، أو مشاهدة فيلم عالمي أو غيره! فكل الأوقات ونحن مشغولون بالأجهزة الذكية التي أخذت ربما من أوقات اتصالنا بخالقنا، وكأننا أصبحنا مسلوبي الإرادة تحت ضغط مواقع التواصل الاجتماعي التي طال تأثيرها السلبي على علاقتنا بمن حولنا، فضعفت العلاقة بالأقارب والمحيطين بنا، لتوهب لآخرين ربما لا تمت لنا بهم أي صلة أخرى، وربما حتى لا نعرف أسماءهم، ولكن قد نكتشف شخصياتهم من خلال رسائلهم وحواراتهم.



وأسوأ ما في مواقع التواصل بعض (قروبات الواتس أب) التي أصبحت تشكل خرقا للعلاقات وإفسادها، لأن المحادثة بالكلمات، والكلمات عبارة عن لغة، واللغة وسيلة مجردة تخفي حقيقة المقولة ونفسية الشخص، على عكس المحادثة الشفهية التي توصل الرسالة بوضوح، لأن تعبيرات الوجه ولغة الجسد توصل الكثير من فحوى الرسالة، مما يسبب سوء الفهم والدخول في (النيات) للآخرين جراء خبرات سابقة، مما يؤدي إلى انقطاع التواصل وبأبسط الأشكال (الخروج من المجموعة).. وكأنه صد باب التواصل وبقوة تصك المشاعر! وكل ذلك ناتج عن فقدان أبسط مبادئ الحوار الهادف واحترام آراء الآخرين. وكثيرون يرددن عبارة «إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية «، ولكن للأسف عند التواصل نجده يفسد كل الود ويقطع كل الصلات حتى من أقرب المقربين للإنسان! بل إن عبارة «من لم يكن معي فهو ضدي» هي النظرية التطبيقية للكثيرين ممن حولنا.



ولم نكتف بعلاقتنا التواصلية بعضنا مع بعض، بل أخذنا نراقب تصرفات الآخرين في مواقع التواصل ولماذا يكتب هذا؟ وما الذي يعنيه؟ ولماذا صرح بهذا التصريح للإعلام؟ حتما إنه يريد الظهور على حساب الآخرين! وهكذا ندخل في جدال عقيم حول سلوكيات ونيات الآخرين، مع أن الإنسان الناجح يجب أن يركز على نجاحاته وتحقيق أهدافه، بصرف النظر عما يفعله الآخرون، ولا يعيقه ذلك عن تحقيق آماله وطموحاته. فلنركز على أعمالنا وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تقودنا إلى النجاح، بصرف النظر عما يحققه الآخرون، فالقمة تسع الجميع، والتواصل نعمة من الله بها على الإنسان، فليكن تواصلنا راقيا لننعم بالحياة.