عبدالله الجنيد

مصر واستراتيجية التباين

الاثنين - 10 أكتوبر 2016

Mon - 10 Oct 2016

«كان من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب لموقف التوافق العربي منه من المندوب العربي. ويسأل في ذلك المندوب المصري. كان تمثيلية ومهزلة تقديم قرار مضاد لم يحصل إلا على أربعة أصوات، وأنا أرثي للجهات التي صوتت لصالح ذلك القرار»، كان ذلك تصريح سفير المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي بعد جلسة مجلس الأمن الطارئة حول مجازر روسيا في حلب. وللأسف لم يكن تصويت مصر لصالح المشروعين إلا تأكيدا على انحراف خطير في بوصلتها الاستراتيجية.



تاريخ التباين لم يولد مصريا بعد أول زيارة للرئيس السيسي لروسيا، حيث أسقط عمدا الإشارة إلى مرجعية «جنيف1» في مؤتمره الصحفي واستبدله بآخر. والسؤال هنا كيف تقرأ «مصر» مصر سياسيا، ويظهر أن هناك من لم يبلغ بانقضاء أجل «عدم الانحياز». ونحن لن نعترض أن تنحاز مصر السياسية لنفسها، ولكن ما يحدث اليوم هو إمعان في تجريب المجرب لا مخاطبة المستقبل. وبالتأكيد أن الشفافية في العلاقات العربية أمر حيوي يجب أن يتحول إلى عرف تؤسس عليه العلاقات بين الدول، لكن مصر السياسية الآن تصر على قيادة موقف لا يمثل أولوية مصرية على حساب مصر وأخرى شقيقة.



فافتراض أن مصر قادرة على الاضطلاع بدور القيادة في ملفات خارج إطار اتصالها الجغرافي المباشر فيه مغامرة غير محمودة العواقب، لذلك عليها إعادة تقيم استراتيجياتها لاستدامة النمو لا التباين، فلقد بات التباين مدخلا للشرور.



تأثير مدرسة «هيكل» أو مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية واضح في السياسات المتبناة من القيادة السياسية المصرية، وكان لها دور في تحول الموقف الأمريكي تجاه مصر 30 يونيو، لكن تكلفة ذلك كانت واضحة في الملفين الليبي والسوري بالإضافة لليمن، لذلك انكفأت داخليا لتعويض فقد حجمها العربي، إلا أن الأزمة الاقتصادية فرضت تناول ملفات عالية الحضور في الفضاء الشرق أوسطي. فكان للملف الكردي حضور نسبي وتلاشى، ومن ثم تم إطلاق المبادرة المصرية لإعادة إنعاش المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية.



تلك الدعوة أو لنسمها «المبادرة» مثلت محطة التشاكل الثالثة والدخول على مسار المبادرة العربية المتبناة فرنسيا، والنتيجة أن إسرائيل «بنيامين نتنياهو» كانت المستفيد الأكبر من إخراج المبادرة الفرنسية عن المسار. وها نحن اليوم أمام محطة سياسية جديدة وتشاكل جديد أعطى بشار الأسد حجية عدم وجود إجماع عربي حول سوريا.



الراحل الكبير سعود الفيصل عندما سجل اعتراض المملكة العربية السعودية على فحوى خطاب الرئيس بوتين، والذي قرأه بالنيابة عنه الرئيس السيسي في قمة شرم الشيخ في 29 مارس 2015 كان يهدف بذلك لإيصال رسالتين. أولاهما أن مصر أكبر من أن تتحول لساعي بريد، وقد كان بالإمكان أن يقوم الرئيس بوتين بتوجيه رسالته بشكل مباشر أو مسجل، أما الثانية فإن الضيافة ليست على حساب ثوابت السياسة حتى لا تتم قراءة أن الإجماع العربي قابل للتوظيف على حساب الأمن والاستقرار. وندرك اليوم أن هناك من سيذهب إلى قول إن أي نقد للرئيس السيسي سيخدم مصلحة الإخوان والتآمر على مصر، وبدورنا نحن نطمئن هؤلاء البعض بأن بعض الشفافية بين الإخوة في المصير خير من قنطار جفاء، ومصر 30 يونيو أكبر من الإخوان.



[email protected]