عبدالله الجنيد

جاستا وأخواتها

الخميس - 29 سبتمبر 2016

Thu - 29 Sep 2016

«ليس مهما نقض الكونجرس الفيتو الرئاسي أم لا فإنه شأن أمريكي، والسؤال كيف سنعالج ذلك في ظل غياب الدبلوماسية المؤسساتية»، الدبلوماسية الخليجية والسعودية خلصت إلى ضرورة إعادة صياغة بعض أدواتها التي تمثلت في توظيف الدبلوماسية خارج إطار «الغرف المغلقة». وقد أسس لهذا التقليد الجديد حضور تجاوز التقليدي بشخصيات وازنة لا يحتاج المجتمع الدولي إلى بلورة بصار لإدراك معنى تصريحاتها المباشرة أو المستترة. إلا أننا اليوم في أمس الحاجة لتطوير منظومة «أدوات» دبلوماسية أخرى متجاوزين حتى تجديد الأمس القريب، وأولها الدبلوماسية المؤسساتية غير الرسمية. فمؤسسات المجتمع هي العنصر المفقود من معادلة «الدولة» لرفد الجهد الرسمي في ملفاتنا الوطنية الدولية. فلتلك المؤسسات قدرة التعاطي الفني والمهني في مجالات اختصاصها وبلغة مشتركة. أما الدبلوماسية الرسمية، فهي لا تمتلك خاصية المرونة لأن مرجعياتها سيادية ومن يمثلها موظف (وهنا أنا لا أتحدث عن الكفاءة).



فمثلا لا حصرا نجد ممثلي برلماناتنا أو مجالس الشورى في اتصالاتهم الخارجية متبنين للموقف الرسمي في كل أمر لدرجة أن البرلمانات الأوروبية والكونجرس لا يعتد بمواقفهما لفقدانهما الحد الأدنى في التباين أو الاختلاف المعلن مع مواقف دولها. والقصد هنا ليس المناكفة العبثية بل التباين الموضوعي لاستدامة تحفيز تنمية البنية الفوقية. فالبرلمان البحريني مثلا عجز عن عرض موقفه أو طرح مشروع بديل متكامل من قانون رفع الدعم عن السلع الأساسية، في حين أن مجلس الشورى السعودي يتلكأ في إعادة طرح مشروع الوحدة الوطنية منذ التصويت عليه في يونيو 2015. تلك الفجوة القائمة بين كفة السلطتين (التنفيذية والتشريعية) والرأي العام الوطني أو الدولي لا وجود لها في الدولة الحديثة، لأن مؤسسات المجتمع المدني المستقلة هي من يضطلع بذلك في إكمال منظومة الدولة. وأول أدوات الرقابة هو (الرأي العام) الذي يضطلع به الإعلام. فالبحرين والسعودية على سبيل المثال لديهما ملفات ذات «حضور عال High Profile» في المفوضية العليا لحقوق الإنسان وإن «اختلفت». لكن ما يمثل البحرين والسعودية هي وزارات اختصاص دون دعم حقيقي من مؤسسات وطنية مدنية فاعلة، والسبب يكمن في تراجع دورها وطنيا مما يفقدها أية مصداقية لدى المجتمع الدولي.



إن استمرار غياب أو تغييب مؤسساتنا الوطنية المستقلة له تأثير سلبي على مصداقيتنا في كل ما نعتبره خاصا أو عاما من ملفات، فبتفويضها القيام بذلك هو أنفع للدولة على المدى البعيد من شركات العلاقات العامة الأمريكية والأوروبية. وكذلك هو الحال من توظيف التبادل الثقافي والإنساني في التعريف بهويتنا، فشبابنا اليوم يسجل إنجازات علمية ليس آخرها إطلاق اسم الباحث والعالم السعودي عبدالجبار الحمود على أحد الكواكب من قبل وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» تقديرا منها لاختراعه في مجال الكيمياء العضوية. فاختراع الحمود وهو عبارة عن «فيروس virus» سيجعل من الزراعة في الفضاء أمرا أقل تحديا. فلماذا لم تفكر صناديقنا السيادية العتيدة ولو بإطلاق «صنيديق» بمئة مليون دولار لرعاية هؤلاء المخترعين، وتحويل اختراعاتهم لمنتجات تضيف قيمة حقيقية «لشخصيتنا الاعتبارية والإنسانية»، مع احتساب مردوداتها الاقتصادية والمعنوية. فتتحول هذه الاختراعات والمنتجات لسفراء لنا تأكيدا لرغبتنا الحقيقية في صناعة تحولنا.



يجب ألا ننظر إلى إقرار قانون جاستا من عدمه على أنه تحد جديد بآليات مختلفة، ولكن ما نحتاج إليه اليوم هو مخاطبة العالم بلغته لا لغتنا نحن، ليفهم رسائلنا. العالم والدول نتاج تراكم كمي أفضى إلى مؤسسات تحتكم لها مما جعل العالم فسطاطين، أحدهما متقدم غني وآخر متراجع فقير الإمكانيات.

[email protected]