الأوطان بقية العام

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 25 سبتمبر 2016

Sun - 25 Sep 2016

u0647u0628u0629 u0632u0647u064au0631 u0642u0627u0636u064a
هبة زهير قاضي
لأستراليا تجربة جميلة في الاحتفال بيومها الوطني. فتلك أمة قامت على الهجرة من مختلف أنحاء العالم على مدى سنوات طويلة. فتجد السكان الأصليين يحتفلون بتسامحهم مع ما حصل في الماضي وتقبلهم لعجلة التمدن وجمال التمازج مع الآخرين وإضافاتهم المعرفية والفكرية لصنع الحضارات. وتجد المهاجرين يحتفلون برحلة أجدادهم الناجحة لتلك البلاد، ينظرون لتلون جلودهم وتنوع أعراقهم كجزء من التطور والتحول لمجتمعات تتعالى فيها قيمة الإنسان على قيمة التعالي بالأصل والدين، لا يحاول أحد إثبات أحقيته بالمكان أو أولويته فيه، لأنه ببساطة لا يشعر أصلا بالتهديد. فتعالت قيمة النظام على قيمة العادات. وتسيدت قيمة المدنية على قيمة العرق والدين. لتصبح أستراليا اليوم واحدة من أكثر الدول سلاما، وأكثرها وعدا بالصدارة.



ولنقترب قليلا من تركيبتنا الاجتماعية والجغرافية، ولننظر لتجربة الإمارات في احتفالها بيومها الوطني. فللإماراتيين رقصة شعبية جميلة اسمها (زرفة) وقد صور أحد الفيديوهات مجموعة من الشباب يؤدونها في أماكن مختلفة. وكان من الملفت في يوم الاحتفال مشاركة مشاهير وأشخاص من أصول غير إماراتية في الرقصة بكل حماس، وكأنهم يقولون الوطن ليس فقط أن تنتمي إليه بالعرق أو أسبقية السكن، بل الوطن فضاء من العلاقات الطيبة، والمنافع المتبادلة، وحرية الكرامة التي تولد الولاء وتحفز العطاء.



إن كيفية احتفالنا باليوم الوطني تمثل ثقافتنا التي نعيش بها. ومن يحتفل يمثل تركيبتنا الاجتماعية. وماذا نكتب عن الاحتفال الذي يمثل وعينا الفكري. فكلما كان الاحتفال حضاريا، منظما، مدنيا كانت دوائرنا ومؤسساتنا وتعاملاتنا وشوارعنا في أحسن حال بقية العام. وكلما احتفل عدد أكبر من التركيبة السكانية المتنوعة من جميع المناطق، المواطنون ذو الجنسية، مع المواطنين المجنسين، مع المواطنين الذين ولدوا على هذه الأرض ولا يعرفون وطنا سواها، مع من يعملون بها ويحبونها كما أوطانهم، كانت حياتنا وعلاقاتنا أكثر سلاما.



وكلما كان اقتصادنا وفكرنا أكثر غزارة وإنتاجا وإبداعا، وكلما كان هناك تنوع في الكتابة عن هذا اليوم ما بين التعبير عن الرغبات والأمنيات وما بين نقد الأوضاع والظروف وما بين نسج القصائد والملحميات، كانت صحفنا وقنواتنا وكتبنا وأفكارنا في حالة صحية من حرية التعبير، والتباين والتدافع الصحي والتلاقح الفكري الذي تتولد من خلاله الحقائق، وتنبثق من ألوانه المختلفة أقواس قوس قزح من الفكر والفنون والطروحات التي تجعل حياتنا أكثر إشراقا، وأقل فسادا، وأعظم جمالا وسعادة. أي باختصار ما تكونه الأوطان في يوم الاحتفال، هو ما تكونه في بقية العام. أعاده الله علينا دائما في ازدهار وأمن وأمان.



[email protected]